ولعل الاحتمال الأكبر أن تكون إيران تحت المجهر الأميركي هذه المرة, إذ إن المشهد اليوم بات أكثر وضوحاً بشأن توجيه حملة عدوانية حيالها لأن ذلك بات على ما يبدو حاجة أميركية رئيسية للفريق الحاكم في أروقة البيت الأبيض وهو الفريق الذي بدأ نجمه يأفل بانحدار شديد بسبب الضربات الموجعة والقاتلة التي تلقوها على امتداد بلاد الرافدين وأفغانستان وغيرهما, وهو النجم الذي سيغيب تماماً عن الوجود مع انتخاب الرئيس الأميركي الجديد العام القادم.
كما أن الحرب على إيران بالإضافة للحاجة الأميركية هي بالتأكيد حاجة إسرائيلية ملحة للتخلص من رعب امتلاك طهران للقنبلة النووية التي ترى فيه الصهيونية اندثاراً لحلمها ولمشروعها التوسعي على حساب الأمة العربية والإسلامية, وفي ضوء هذه المبررات يسيطر اليوم السؤال المهم: هل الحرب باتت فقط مسألة وقت بعد توفر الذريعة لشنها وكيف يمكن أن يكون الرد الإيراني بل والإقليمي عليها في حال تم تنفيذها?
بطبيعة الحال هناك قرار أميركي - إسرائيلي ولنقل غربياً بمنع أي دولة عربية أو إسلامية لامتلاكها التقنية النووية سواء ذلك في وجهها المدني والتنموي والسلمي أم لاستخدامها في المجال العسكري وذلك من مبدأ منع تحويل هذه الطاقة في تطوير الشعوب العربية والإسلامية, والعمل على إبقاء هذه الشعوب سوقاً استهلاكية ومنعها من أن تكون سوقاً منتجة تمكنها من الاستغناء عن الغرب, ولعل التجربة الإيرانية في هذا السياق خير مثال على قدرة هذا البلد الإسلامي الذي وصل إلى درجة كبيرة من الاكتفاء والإنتاج الصناعي المتنوع وبشكل بدأ فيه بطرق الكثير من الأسواق للدول الصديقة, وهذا بطبيعة الأمر ما يقلق الغرب بشكل عام فكيف الحال إذا عندما تكون أكثر من دولة عربية أو إسلامية انتهجت نهج إيران في الاعتماد على ذاتها وطاقاتها, فإن الأمر بديهي وسيكون لدى الغرب أمر تعدى كل الخطوط الحمر.
لكن الخوف الذي يعيشه الغرب بشكل عام من إيران تحديداً هو وصول هذا البلد الإسلامي الرافض لمشاريع الهيمنة الأميركية والإسرائيلية والغربية أيضا إلى عتبة تصنيع السلاح النووي, وبالتالي إقامة توازن استراتيجي في جميع أبعاده وبناء ردع فوري مع إسرائيل, الأمر الذي سيفقدها حينذاك الورقة الأخيرة التي ما زالت تحاول التلويح بها بعد أن تآكلت قدراتها الدفاعية والعسكرية الردعية في حرب تموز الماضي أمام حزب الله.
من هنا نستطيع القول إن للحرب على إيران من الأسباب والدوافع ما يجعل أمرها شبه ملزمة لأصحاب المشروع الأميركي - الصهيوني ومن يدور في فلكهما, وإن التأخير في شن هذه الحرب سيقلل من فقدان الفرصة المتوفرة لهم حالياً لسببين: الأول أن إيران ستكون وكلما طال الوقت هو لصالحها مع استكمال بناء قدراتها العسكرية الرادعة, وبالتالي يصعب وقتها مهاجمتها مهما كان حجم القوة المجهزة لها, وثانياً لأن الوقت كلما طال كان حجر عثرة أمام فريق إدارة الرئيس بوش مع اقتراب خروجه عن السلطة واستلام الديمقراطيين عتبة البيت الأبيض, أي بمعنى أن الأشهر التسعة الباقية أمام الرئيس بوش ستكون حاسمة دون أدنى شك.
ولعل الدلالات على وقوع هذه الحرب متوفرة ولا نستطيع تجاهلها, فالاختراق الجوي الإسرائيلي للأجواء السورية وحسب ما أفصح عنه مسؤولون أميركيون وإسرائيليون لا يخرج عن باب الوصول إلى إيران بقدر ما هو عدوان وتحرش على سورية, ثم إن تأخير إعلان تقرير لجنة فينوغراد الإسرائيلية عن إخفاقات الحرب العدوانية الإسرائيلية في تموز الماضي إلى الربيع المقبل هو أيضا مؤشر إسرائيلي لتوجيه الحرب باتجاه إيران كي لا تحدث نتائج ذلك التقرير إذا ما انتشرت أي بوادر سلبية لزعزعة حكومة إيهود أولمرت التي تجد في شنها الحرب أفضل وسيلة لبقائها في السلطة وعدم اللجوء إلى إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل على خلفية تحميلها المسؤولية في هزيمتها الصيف الماضي.
كما أن التصعيد الإعلامي الغربي بشكل عام وإسرائيل بشكل خاص وبشكل منسق ومتواتر ضد إيران وسورية والإكثار من تلفيق التهم إليهما ولاسيما في سياق سعيهما لامتلاك قدرات نووية هو تصعيد منظم ومدروس في إطار خطة شبيهة بالخطة التي سبقت غزو العراق.
ولكي يتم زرع فكرة الخطر النووي الإيراني والسوري مرة أخرى لدى الرأي العام الأميركي والأوروبي ليكون قادراً على تقبل شن الحرب ومن ثم تأييدها فيما لو وقعت, ولعل إشارة وزير خارجية فرنسا مؤخراً بقوله: يجب الاستعداد للأسوأ, هو إشارة واضحة إلى وصول بلاده على خط التحالف المطلوب مع واشنطن لشن هذه الحرب التي يستشف من كلامه بأنها باتت أمراً واجباً حيال طهران.
كما أن هناك العديد من المؤشرات والدلائل التي تعكس واقع الحال على أن الأسباب والدوافع والمؤشرات لشن الحرب الأميركية - الإسرائيلية على إيران باتت موجودة ومتوفرة وهذا ما يحصل من خلال التسريبات من مختلف وسائل الإعلام الغربي والإسرائيلي حول وجود خطط جاهزة للتنفيذ وهي تنتظر فقط إشارة البدء من أصحاب القرار في البيت الأبيض وإسرائيل ولاسيما أن تلك الوسائل لا تتردد في نشر تقارير مؤخراً عن وجود تباين بين فريق البنتاغون والبيت الأبيض حول طريقة التنفيذ لسيناريو الحرب مع إيران, ففي حين يصر البيت الأبيض كما تقول التقارير الإعلامية الغربية على شن الحرب يرفض القادة العسكريون في البنتاغون هذا الأمر وفي هذه الظروف خاصة التي تحيط بالقوات الأميركية في العراق وما يجعلها تواجه عدوين في وقت واحد, المقاومة العراقية في الداخل والقوات الإيرانية التي لا تبعد عنها سوى عشرات الأميال, وهم يؤكدون - أي فريق البنتاغون - على الخسائر الجمة والكبيرة التي ستتكبدها قواتهم في العراق في حال تمت مهاجمة إيران وهم يستذكرون بطبيعة الحال دروس النصر الذي حققه حزب الله في تموز العام الماضي على الجيش الإسرائيلي وقدراته التي لا تقل شأناً عن الجيش الأميركي, كما أن ذاك الفريق الأميركي يعارض تماماً أي اجتياح بري لإيران لأن ذلك كما يقولون أشبه بمن يقدم جيشه للذبح مع عدم الثقة بالنصر, ولهذا فكل الترجيحات أن واشنطن وإسرائيل في حال قررتا مهاجمة إيران فهما عاجزتان عن تحقيق أي تقدم بري باتجاهها, ولهذا سيختاران معاً احتمالين: الأول يتمثل بضربة نارية شاملة ومتعددة المصادر والأهداف وهذا ما سربت له الأجهزة الأميركية, إذ يوجد حوالى 1300 هدف إيراني تحتاج إلى خمسة أيام كحد أقصى لتدميرها وبالتالي إفساح المجال لأعداء الثورة الإسلامية للانقضاض على الحكم واستدعاء أميركا على عجل لتحكم عبر هؤلاء, وبالطبع هذه تجربة فاشلة كما فشلت تماماً في العراق وأفغانستان, أما الاحتمال الثاني فيتمثل بتدمير سريع ومفاجئ للمنشآت النووية الإيرانية المحدد ب 400 هدف كما سربت لذلك الصحافة الأميركية وتنجز بثلاثة أيام يتم بعدها التفاوض مع إيران لإخراجها مشلولة الحركة والقدرة على ممارسة دورها إقليمياً. وبالطبع كلا الاحتمالين لن يزيد أميركا وإسرائيل سوى المزيد من السقوط ودفع الثمن غالياً لأن المنطقة بطبيعة الحال بمجملها لن يستطيع أحد أن يتصور الحال التي ستكون عليه في حال قرر أباطرة العم سام مهاجمة إيران التي تمتلك من وسائل الرد ما يجعل أعداءها يراجعون أنفسهم ألف مرة ومرة.