تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الليبرالية الجديدة وقوانين السوق المتوحشة

شؤون سياسية
الأحد 30/9/2007
غالب حسن محمد

في كتابه الشهير ( الرأسمالية والحرية) يقول ميلتون فريدمان ( الأب الروحي لليبرالية الجديدة) إن صناعة الربح هي جوهر الديمقراطية وإن أي حكومة تتبنى سياسات معارضة للسوق هي معادية للديمقراطية مهما كان حجم الدعم الشعبي الذي تتمع به,

وبالتالي من المفضل قصر دور الحكومات على وظيفة حماية الملكية الخاصة وفرض العقود وحصر الجدل السياسي في مسائل هامشية , أما المسائل الهامة والحقيقية كإنتاج الثروة وتوزيعها والتنظيم الاجتماعي فيجب أن تكون من اختصاص قوى السوق.‏

تلك الليبرالية الجديدة النموذج السياسي والاقتصادي الذي يكاد يطبع المرحلة المعاصرة بطابعه الخاص والذي يعني على الصعيد الوطني ولاحقا على صعيد العلاقات بين الدول الحرية المطلقة للعمليات الاقتصادية التي تنفذها قوى قليلة نسبيا تهدف إلى السيطرة على مناجي الحياة الاجتماعية من أجل رفع فائدتها الشخصية إلى الحدود القصوى.‏

لقد ارتبطت الليبرالية الجديدة ومنذ نشأتها بالرئيس دريفان والمرأة الحديدية( تاتشر) وكان المراقب يستطيع أن يلاحظ وبكل وضوح في العقدين السابقين هيمنة هذا التيار الاقتصادي والسياسي العالمي الذي تبنته في الغالب أحزاب الوسط إضافة إلى أحزاب اليمين والتي في معظمها عبرت عن المصالح المشتركة والمباشرة للمستثمرين والأثرياء والشركات المتعددة الجنسيات.‏

كان مصطلح الليبرالية الجديدة فيما مضى مقتصرا على الأكاديميين ورجال الأعمال ولم يكن معروفا ولا متداولا على الصعيد الجماهيري حتى في البلدان المتطورة وغالبا ما كانت المبادرات الليبرالية الجديدة تسوق كسياسات حرية السوق- تشجيع المشروع الخاص وتكافؤ أصحاب المبادرات, وتنظر إلى التدخل الحكومي على أنه يشكل عائقا بيروقراطيا وطفيليا في وجه حركة النمو العام.‏

لقد كانت العواقب الاقتصادية لهذه السياسات متشابهة في جميع الأمكنة, حيث الازدياد الكبير في اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي زيادة الفقر والبؤس بشكل صارخ لدى شعوب العالم الأكثر فقرا.‏

لقد وصف بعض النقاد في أوائل القرن الماضي الفاشية والنازية بأنها الرأسمالية وقد نزعت قفازيها.‏

إن هذا القول ينطبق ويصح على الليبرالية الجديدة, ونحن نلاحظ بشكل جلي كيف أصبح للقوى الاقتصادية الكبرى وقوى التجارة العالمية أنياب ومخالب محاولة تشفير قوتها السياسية بحيث تجعل من المستحيل على القوى الديمقراطية غير التجارية وغير المرتبطة بالسوق أن تشغل حيزا حقيقيا في المشهد السياسي على نطاق الدولة أو في اطار العلاقات الدولية فأصحاب هذا المذهب يعملون بشكل أكبر حين تكون هناك ديمقراطية انتخابية صورية, ولكن بعد أن يتم إبعاد الشعب عن مراكز صناعة القرار وحجب المعلومات عن أفراد الشعوب وهم في كل الأحوال لم يشعروا بالذنب أو بأي تأنيب للضمير حيال الانقلاب العسكري الفاشي الذي أطاح بحكومة الليندي في تشيلي والمنتخبة ديمقراطيا في سبعينيات القرن الماضي .1973‏

وليست تجربة حماس فلسطين المحتلة وحكومتها المنتخبة ديمقراطيا بإشراف واعتراف كل القوى في العالم حيث تمت تحت اشراف ورقابة دوليين برئاسة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر وموقف الليبراليين الجدد منها سوى نسخة معاصرة لما حدث في تشيلي .‏

لقد كانت الديماغوجيا أحد الأسلحة الفتاكة التي تسلمت بها الليبرالية الجديدة, والتي تطمح إلى اقناع الجماهير والرأي العام بالشيء ونقيضه في ذات الوقت.‏

وفي هذا السياق نلاحظ أن فلسفة العولمة ليست سوى هيمنة الدول القوية وبخاصة الولايات المتحدة والاستئثار بالصفقات التجارية وتأمين هيمنة الشركات والأثرياء على اقتصاديات الدول الأقل نموا , وبالوقت نفسه تعفي نفسها من أي التزامات تجاه تلك الدول وشعوبها.‏

لقد أصبحت الشركات الكبرى تسيطر بشكل سافر وحاد وغير مسبوق على مختلف عناصر ومكونات الدولة والمجتمع بدءا بالحكومة ومرورا بالإعلام والثقافة والتربية وغير ذلك من جوانب الحياة العامة.‏

إن رسالة الليبرالية الجديدة الأكثر صخبا هي أنه ليس هناك بديل للوضع القائم وأن البشرية وصلت إلى كمالها وأن التاريخ توقف أو انتهى على رأس ( فوكوياما) ولكن يمكننا أن نسأل : إلى أي مدى أصبح الاقتصادي عالميا بالفعل..? إن مفردات التجارة العالمية وتدفق النقد وما يرافق ذلك من اجراءات وخدمات لوجستية بينت أن الاقتصاد ليس أكثر عالمية مما كان عليه في القرن الماضي.‏

نستطيع أن نقول أو أن نتوقع على الأقل أن ما هو مناسب لعموم البشر لا يمكن أن يتجانس أو ينسجم مع مصالح الدوائر المتنفذة والقابضة على عناصر القوة والتحكم.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية