تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عدنان عزام: بين دمشق وباريس على ظهر حصان

كتب
الأربعاء 9-6-2010م
تدور أحداث كتاب ( الاستغراب- معرفة الآخر ..معرفة الذات- 1300 يوم عبر العالم على ظهر حصان) ما بين عامي 1982- 1986 واصفة رحلة الشاب السوري عدنان عزام

‏‏

الذي شق طريقه على ساحل البحر الأبيض المتوسط الشمالي من دمشق إلى باريس عن طريق تركيا واليونان وإيطاليا وفرنسا وأسبانيا ثم تصف في أجزائه اللاحقة رحلته عابراً الولايات المتحدة من غربها إلى شرقها، وعودته إلى وطنه الأم سورية عابراً المغرب العربي إلى مكة المكرمة والجزيرة العربية والأردن . هذه الملحمة الرائعة لم تكن مجرد نزهة، بل عودة الرحالة العربي إلى مسرح الأحداث بعد غياب طويل، هي تأسيس لمعرفة الغرب كما هو بعيداً عن تأثيرات عقود من الاستشراق والاحتلال والتبعية.. هي محاولة للتقريب بين الشرق والغرب.‏‏

سحرته الكتب في غرفة أخيه.. الأستاذ كمال في عصر يوم من أواخر أيام شهر أيار 1986 عندما كان يحضر لامتحانات الشهادة الابتدائية، أو كما كان يسميها المسنون في القرية ممن عاصروا الاستعمار الفرنسي «السرتفيكا» كانت شهادة مهمة يحتفل بها الأهل عند نجاح أولادهم بنيلها .‏‏

يدخل شقيقه كمال ليتأكد أنه يذاكر دروسه فينتفض عدنان مخفياً أثار مطالعاته ويمسك كتابه الدراسي معاوداً الاستعداد للامتحانات القادمة .‏‏

كلمات غيرت قراءته، وتحليله وتقويمه لكل ما سيجري في حياته بعد ذلك، ولكل ما جرى أو مشاهدة في طفولته المبكرة أيضاً وأصبح متيقناً أن ما عاشه طفلاً إنما كان إشارات مبكرة له، من هنا يأخذنا الرحالة وكاتب السيرة إلى عوالمه ابتداء من قريته الدويري وكرومها وسهولها، آثارها ، حكاياتها، بل أساطيرها ومضافاتها المفتوحة لإكرام الضيوف واجتماع أهل الحل والربط لتنظيم حياة الناس وناديها الصغير الكائن بدار ( العم مزعل) .. في زمن كان فيه المذياع النافذة الوحيدة التي توصلهم بالعالم آنذاك، ولهذا كان لحكايات الكبار وهم متحلقون حول مواقد الشتاء طعم ونكهة ونفاسة لمعرفة التاريخ ، تاريخ يسردونه ببلاغة وفطرة نادرة وهو يستمتع بروايات جده- أبو سلمان جديع- عن حرب السفر برلك التي شارك بها مرغماً إلى جانب العثمانيين .‏‏

لاحقاً سجل عدنان عزام في كلية الحقوق بدمشق ، وبعدها سافر مباشرة إلى إمارة أبو ظبي حيث سرعان ما يقفل عائداً إلى دمشق ليبدأ حياة جديدة بين كلية الحقوق والقرية والسويداء وبعد انتهاء الامتحانات يقرر العودة من جديد إلى الإمارات ليعمل في عمق الصحراء في منطقة ميديسين أقصى جنوب البلاد.. في عام 1981 قرأت في الخليج الثقافي مقالاً بقلم ياسر السباعي، يلهب مشاعري عن علاقتنا بالغرب، ويحدث في نفسه أثراً كبيراً مثلما فعل ذلك بحياة المثقف العربي إدوارد سعيد وكتابه الاستشراق الذي سيشكل ركناً أساسياً من أركان معرفته بنفسه وبالآخر الغربي. هناك في صحراء المغرب بدأت حواراته مع قلة من الغربيين ممن يبذلون جهداً لتجاوز النمطية الأوروبية في نظرتهم إلى الحضارة العربية الإسلامية، بدأ أيضاً يكتشف معهم سحر الصحراء في الإمارات والسير على رمالها والتعرف على واحاتها، وما أثرها هناك من رأس الخيمة، شمالاً إلى ميديسين جنوباً مروراً بدبي وأصبح السؤال هاجسه الأول والأخير. كيف سنبدأ الهجوم المعاكس، ولا نترك مكاننا فارغاً ، كيف سنقدم أنفسنا إلى العالم كما نحن، هكذا كبر حلمه أن يرحل من دمشق عاصمة الخلافة الأولى إلى باريس إلى بلاد الغال على ظهر حصان عربي. ولاحقاً سيصل باريس جواً ويغادرها براً إلى سورية ليرى الطريق الذي سيقطعه على ظهر حصان في الأشهر اللاحقة. وخلال ثلاثين يوماً من السير على الأقدام أو الركوب بالحافلات التي تتوقف له طوعاً على الطريق لتكون بداية التجهيز الحقيقية للحملة الكبيرة، وأخيراً تبدأ الرحلة على ظهر فرسه «مطيرة» وبعد ظهر الأربعاء من 1982 يغادر قريته الصغيرة الغافية وسط العالم، متجهاً صوب دمشق..‏‏

خلال الطريق كان يردد أغاني فيروز ( خايف من الغربة.. أكبر بها الغربة وما تعرفني بلادي) في اليونان يعيش حالة حميمية بالغة مع أهلها حيث الترحاب الحقيقي.‏‏

حيث نقرأ: (تصل قافلتي إلى البرج الأبيض المنتصب أمام البحر المتوسط، يسرح نظري عبر الشواطئ حيث قوارب الصيادين القديمة تنتشر مبعثرة هنا وهناك بطابعها الشعبي البديع. بواخر ذاهبة وأخرى آيبة إلى المرفأ الزاخر بالحياة، كان ذلك عند الغروب وكانت الشمس تضفي على المكان روعة عظيمة وأهالي تيسالونيك يتنزهون على شاطئ مدينتهم التي كانت وما زالت رمز عاصمة مقدونيا «الاسكندر الكبير» قافلتي المستمرة بجانب تمثال قسطنطين الأول تصبح محط الأنظار وعدسات الفضوليين..).‏‏

قبل أن يدخل فرنسا يترك خيله في شاحنة ويعود بالقطار إلى مدينة جنوا ليلتقي بالقنصل الفرنسي بيير دولابر حيث يستمع إليه ثم يحيه كفارس ويصنع تأشيرة الدخول على جواز سفره: الشمس مشرقة وصهيل فرح ومطيرة يعلن ابتداء يوم جديد ويرحب بالخيالة الذين التموا حولنا وراحوا ينهالون عليّ بالأسئلة، بينهم خيّال جاوز الستين من عمره، حدثني عن أيام شبابه عندما كان ضابطاً في الجيش الفرنسي في لبنان وسورية ومعرفته بالأهالي هناك، سرج حصانه وسار معي بعض الوقت وهو يقول: سفراً موفقاً، إنك تحقق ما حلمت أن أقوم به، أتقدم بهدوء بمحاذاة الشاطئ، فجأة يوقفني رجال الشرطة قائلين: قف أنت في إمارة موناكو.‏‏

وخلال عبوره لمدينة كان المشهورة كانوا يسألونه إذ كان يزور مدينة كان بمناسبة مهرجان السينما العالمي الذي كان يعقد في ذلك الصيف، وفي مرسيليا توقفه سيدة بكثير من المشاعر الدافئة تدعوه لاستراحة في منزلها على جانب الطريق وتنادي أولادها لجلب الماء والجزر للخيل وتحدثه عن ابنها الذي يسافر عبر العالم قائلة: إنني أتمنى أن يجد هو أيضاً المساعدة والحنان من كل الناس.‏‏

وفي صباح كانوني ينفث الصقيع والبرد وغيوم ضبابية اختلطت بدخان السيارات على امتداد جادة فوش من غابة بولونيا وصولاً إلى باريس.‏‏

يشعر عدنان عزام بشلال من الحيوية والأمل ينبض في داخله، فرح ومطيرة تبدوان أيضاً على أتم الاستعداد.‏‏

آن كريستين وماري باسكال تسيران بجانبي بآلات تصوير عادية وسينمائية، كريستوف يشق الطريق أمامنا بدراجته النارية، يطل قوس النصر مرتفعاً شاهقاً كأنه يلاصق السماء وسط ساحة النجمة التي تتفرع منها‏‏

أكبر جادات العالم في كل الاتجاهات.‏‏

يرافق القارئ قلم عدنان عزام وهو يعبر أجمل وأطول جادة في الدنيا «الشانزيليزيه» نقترب من برج إيفل حيث يحتشد الكثير من السياح فتطلق فرح صهيلها وكالعادة إيذاناً بشيء ما، دقائق قليلة ويتضح الأمر فقد استطاعت تمييز بعض الخيول وسط حشود الناس أو إنها اشتمت رائحتهم، يقترب مني ستيفان بيغو هامساً، إنها خيول شهيرة للألعاب البهلوانية لصاحبها السينمائي المعروف في كل العالم ماريو لوراتشي ويذكرني أننا مدعوان هذا المساء إلى صالة في الطابق الأول من برج إيفل لحضور احتفالات افتتاح المعرض العالمي للحصان.‏‏

لغة الكتاب جميلة وبسيطة وصريحة ومباشرة.‏‏

الكتاب مليء بتفاصيل مثيرة ممتعة باختصار ووضوح ، هذا ويذكر أن الكاتب يقيم في فرنسا منذ عام 1986 حيث يشارك بالحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية رافعاً شعاراً من أجل تعايش أفضل بين الأوروبيين والمهاجرين.‏‏

أصدر كتاب فارس الأمل بدار ستوك عام 1989 ثم أعاد نشره باسم بين الشرق والغرب بدار روشي عام 2004، أنتج وأخرج فيلم مسيرة القيم من أجل العدالة والمساواة عارضاً حياة المهاجرين.‏‏

قلده السفير برنار باجوليه وسام الاستحقاق من درجة فارس بمجلس الشيوخ الفرنسي بتاريخ 16-2-2009 بحضور السيدة لمياء شكور سفيرة الجمهورية العربية السورية والعديد من الشخصيات.‏‏

يتضمن الكتاب سجلاً ببعض المتابعات الصحفية مثل: مقال بعنوان سندباد الحياة بقلم حسين ورور ومقتطفات من صحف أوروبية تابعت رحلته.‏‏

الكتاب صادر عن وزارة الثقافة - دمشق - سلسلة آفاق ثقافية في 320 صفحة 2010‏‏

تعليقات الزوار

ربيع عزام |  robd0077@yahoo.com | 14/06/2010 13:47

بوركت جهودكم .. دروب النجاح تبدأ بخطوة ... وليست كل الخطا كما خطاك أيها الفارس العربي الفذ . . لنا الفخر بك يا فارسنا ...

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية