تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ندوة كاتب وموقف .. بحـــــث فــي تطـــور الإنشــــاد الدينـــي

ثقافة
الأربعاء 9-6-2010م
هناء الدويري

ندوة كاتب وموقف التي تستمر فعالياتها على مدار العام في المركز الثقافي في أبو رمانة وزارة الثقافة مديرية الثقافة في دمشق والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بإدارة وحوار الأستاذ الإعلامي عبد الرحمن الحلبي تجعل من الإنشاد الديني عنواناً لهذا الأسبوع .

الإنشاد الديني في المكتشفات الأثرية‏

الإنشاد الديني بوح ذاتي يخاطب فيه الإنسان قوى رأى فيها الخلاص وجاء بوحه على شكل إنشاد، ومن خلال البحث والدراسة والتقصي وجد الدكتور علي القيم معاون وزير الثقافة وأحد المشاركين في الندوة أن الإنشاد عرفه الإنسان في بلاد الشام في عصور قديمة وهذا ما وثقه الدكتور القيم ضمن كتابه /الأبجدية الموسيقية/ مشيراً إلى الآلات الوترية والإيقاعية والنفخية التي عرفت في تلك العصور من خلال المكتشفات الأثرية في ماري وأوغاريت وإيبلا .‏

حيث عثر على 50 رقماًَ مسمارياً وبكتابات مختلفة إيبلية كنعانية .. الخ وكلها تطرقت إلى الإنشاد والتضرع إلى الآلهة حيث وجدت أناشيد دينية طقسية تمجد كلاً من الإله بعل، كارت، عشتروت، عشتار.. الخ.‏

من الطقس الابتهالي والأناشيد، وحتى فترة قريبة كانت تمارس هذه الأمور من خلال أعياد الربيع وأعياد الرابع وأعياد الزهور هذا شيء من الإنشاد الديني المقدس وفي إيبلا جنوب حلب بحوالي ستين كيلو متراً وجد حوالي ستة عشر ألف رقم مسماري منها ما يتعلق بالأساطير والأداء، منها مثلاً ترجمة تعود إلى 2400 ق.م، أحد الناس ذهب لأحدهم ليكتب له قصيدة حب وكانت الأروع في ذلك التاريخ تقول في إنشاد /أحبيني .. وإذا ما أحببتني سأضع بين يديك القمر والشمس/ بابتهالات جميلة نص إيبلائي.‏

وفي ماري في تل الحريري على الفرات الأوسط 2400 ق.م كان ملك شباط يتوسط لدى ملك آخر لأولاده ليتعلموا الموسيقا والإنشاد الديني في المعبد الديني في القصر الملكي وهذا إن دلّ على شيء بحسب د. علي القيم فإنه يدل على أن الإنشاد الديني بطرائقه المختلفة عما هو موجودة في وقتنا الراهن وعما جاء بها الشيخ جلال الدين الرومي والنعيمي والنابلسي والباحثون والموسيقيون والمتصرفون العرب.‏

وفي أسطورة الإله بعل مايدل على الإنسان استقرأ ولادة الآلهة الإله بعل إله المطر والخصوبة والعطاء والإله /موت/ إله /الموت/ والإله /يم/ إله البحر و/عشتار/ وعن طريق الإنشاد كان هنالك شيء من العبادة والتصوف.‏

وفي أحد الأساطير كان هنالك حرب بين الإله بعل والإله موت وفي إحدى المرات تغلب الإله موت على الإله بعل، علمت شقيقة الإله بعل بذلك فذهبت لصناعة أسلحة واستطاعت إنقاذ أخيها بعل، وعندما علم الإله /إل/ وكان يراقب الأمور استطاع إيقاف المعركة ووجد أنه لابد من إبعادهما عن بعض من خلال تقسيم السنة إلى فصلين ، فصل الربيع والصيف للإله /بعل/ وفصل الخريف والشتاء للإله /موت/ ومن هنا نشأت فكرة الفصول الأربعة، وأهل الساحل كانوا ينتظرون قدوم الإله /بعل/ بشكل دائم على أحر من الجمر وينتظرون قدوم آذار وأوائل نيسان للذهاب إلى المناطق العالية ويقومون بدّق الأرض بالأرجل ومن هنا جاءت الدبكة الساحلية /قم يا بعل أيقظ الحياة أينعت الأزهار، عد لنا بالطبيعة بكل ما فيها من حيوية وإشراق وتألق..‏

هذا يعني أن الإنشاد الديني كان متجذراً في قواعد الحياة الاجتماعية والدينية والطقسية قبل الإسلام بآلاف السنين ويمكن القول إن الحضارة العربية أخذت بهذا الشيء بشكل أو بآخر وطورته وكله كان نوعاً من الابتهال إلى الله والحركات التي كانت في البداية أضيفت إليها الموسيقا ..‏

بعد أن قدّم الدكتور علي القيم قراءة تاريخية للإنشاد الديني قبل الإسلام تحدث الأستاذ أحمد الشيخ عن الإنشاد الديني منذ صدر الإسلام حيث كان الإنشاد في خسمينيات القرن الماضي هواية وكان البعض يستلهمه من مئذنة العروس في الجامع الأموي بدمشق حيث أشار إلى أن الإنشاد كلمة ولحن وأداء (صوت)، والكلمة هي سجل تاريخ الأمم، الإنشاد بشكل عام يشكل رافداً من روافد الثقافة في كل الأمم، ويشكل ذاكرة الأمم أحياناً.‏

في صدر الإسلام‏

وقد عرف في صدر الإسلام أول نشيد هو ما أنشده أهل المدينة المنورة عندما قدم إليها الرسول (ص) مهاجراً فخرج أهل المدينة لاستقبال الرسول الكريم بنشيد /طلع البدر علينا من ثنيات الوداع/.‏

وجب الشكر علينا مادعا لله داع، أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع، جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع/ ولو لم تكن لهؤلاء تجربة في الإنشاد لما استقبلوا الرسول الكريم بذلك والعرب قبل الإسلام كانوا يختارون من الأشعار ماوزنه قصير من بحر الرجز أو بحر الهزج لينشدوها ويرددوها بشكل جماعي ..‏

والرسول عليه الصلاة والسلام أيضاً كان يعلم الصحابة النشيد كلما خرجوا في غزوة دفاعية عن المدينة وكلما قاموا بعمل من أجل حماية المدينة على سبيل المثال أثناء حفر الخندق في غزوة الأحزاب شارك النبي بنفسه في حفر الخندق وكي تدب الحماسة والجد في العمل كان يقول الرسول /لاهم إن العيش عيش الآخرة فأرحم الأنصار والمهاجرة/ فيرد عليه الصحابة قائلين/ نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد مابقينا أبداً ثم يردد الجميع /لاهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزل سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا وإن أرادوا فتنة أبينا .‏

ثم انتقل هذا التراث إلى العصر الأموي وكان أحد خلفاء بني أمية / الخليفة مروان بن الحكم/له اهتمامات واسعة به وفي العصر العباسي كان اهتمام النخبة بالإنشاد الديني ملحوظاً حيث أن ابن هارون الرشيد وإبراهيم ابن المهدي وأخته علية والخليفة المتوكل كانت لهم اهتمامات بالإنشاد وكلنا يعرف اسحاق الموصلي كمغن وموسيقي والإنشاد الديني ظهر بشكل واضح وجلي في العصر الفاطمي ذلك أن الفاطميين هم أول من احتفل بالمولد النبوي عندما أراد المعز لدين الله الفاطمي الحاكم أن يستميل شعب مصر أسس للاحتفال بالمولد النبوي وأنفق أموالاً طائلة وجمع لهذا الاحتفال المنشدين من كل أنحاء مصر وكان احتفالاً رائعاً ثم أصبح احتفالاً متجدداً ثم بعد ذلك أصبحت مصر والفاطميون يحتفلون بالموالد الستة / مولد النبي، مولد الإمام الحسين في الخامس من ربيع الأول، ومولد السيدة فاطمة الزهراء في العشرين من جمادى الآخرة، ومولد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الثالث عشر من رجب، ومولد الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه في الخامس عشر من رمضان، ومولد حاكم البلاد الخليفة الفاطمي ولم يكن له وقت معين .‏

بعد ذلك ألغى الأيوبيون الاحتفال بذلك وأعاده الممالك وبشكل أوسع وأنفقوا الأموال وبقي إلى يومنا هذا .‏

نظام الإنشاد في المسجد الأموي‏

أما المسجد الأموي فله قصة خصوصية لا توجد لغيره في كل المساجد فقد وضع الشيخ عبد الغني النابلسي للمسجد نظاماً خاصاً في الآذان ونظاماً خاصاً في التسليمات بعد الآذان ونظاماً خاصاً في التبليغ وراء الإمام، ونظاماً خاصاً في التسابيح في الليل التي تبدأ قبل الفجر بأربع ساعات. أما من حيث نغمة الآذان فنغمته معروفة وكانت واحدة لكن التسليمات عقب الآذان كل يوم بنغمة فيوم السبت من مقام الصبا، ويوم الأحد من مقام البيات، ويوم الاثنين من مقام النوى، ويوم الثلاثاء من مقام السيغا، ويوم الأربعاء من مقام العراق ويوم الخميس من مقام الحجاز، ويوم الجمعة من مقام الرصف .‏

وكان المؤذنون في القرون الوسطى ينشدون للمؤرخين والمرضى خلال ساعات الفجر مساهمة في شفائهم وكان نور الدين الشهيد الذي بنى البيمارستان النوري هو من أوعز لمؤذني جامع أمية للإنشاد لهؤلاء المرضى والمؤرقين وقد بلغ عدد مؤذني جامع بني أمية في مرحلة من المراحل ستين مؤذناً على ثلاث جوقات، كل جوقة عشرون مؤذناً وكانت هذه الجوقات تسمى نوبات نوبة الشيخ كذا..‏

إضافة للحفلات الدينية العامة والمناسبات الخاصة التي كان ينشد فيها المؤذنون المنشدون دون أجرة حتى فترة قريبة وهذا ما يعني أن الإنشاد كان هواية .‏

مئذنة العروس‏

منشد دمشق وعلمها توفيق المنجد إذا سمعته شممت رائحة وعبق دمشق واسمه الحقيقي أحمد توفيق الكركتلي وهو تاجر مرموق في صغره كان مطرباً على مسارح دمشق وكان أبوه مؤذناً في مسجد بني أمية فأتى به من عالم الغناء إلى عالم الإنشاد وكانت في تلك الفترة توجد فرقة الشبان الحديثة للأناشيد النبوية مؤسسة من أبناء مؤذني مسجد بني أمية عارف الصباغ، رشيد شيخ أولي عبد الوهاب أبو حرب، سعيد الخيمي، محمود الشيخ أعمارهم لا تتجاوز الستة عشر أو السبعة عشر عاماً وهي أول فرقة تؤسس في دمشق، وعندما جاء توفيق المنجد وانضم إليها ترأسها وسميت رابطة المنشدين وكان ذلك في عام 1954 وكان لتوفيق المنجد حالة خاصة مع المسجد الأموي كان إذا دخل المسجد مهما كان صوته متعباً توضأ وصلى ركعتين ثم توجه إلى مقام النبي يحيى ويقف ويدعو ثم يعود ليجلس بمكان قرب المحراب ويزيح الكرسي يمنة ويسرة حتى يجلس في مكان معين ولما سئل عن ذلك أجاب لكي أستطيع رؤية مئذنة العروس من النافذة وعندما أراها أصاب بحالة من التحليق والوجد والتجلي وأستلهم منها، وكأنني أناجيها.‏

رقابة على الإنشاد‏

أما الأستاذ عدنان أبو الشامات فأشار إلى أننا في يومنا هذا نسمع أصواتاً لا علاقة لها بالإنشاد الديني وللأسف هؤلاء يؤسسون لفرق خاصة ويقدمون مادة فيها إدخال لآلات موسيقية لا علاقة لها بالإنشاد وهذا أمر يجب أن نلتفت إليه بشكل جاد وأن تقام دورات خاصة لتعليم هؤلاء وأن تتخذ وسائل الإعلام منهجية محددة ورقابة وألا تبث أي شريط أو إنشاد قبل التدقيق في مدى صحته‏

وخلال الندوة قدم بعض مؤذني جامع بني أمية أناشيد دينية والآذان .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية