تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


« الأدب بميزان الذهب»

معاً على الطريق
الخميس 11-9-2014
لينا كيلاني

في كل يوم تتكاثر الاسماء التي تظهر في عالم الكتابة.. ولا أقول الأدب لأن المسافة بعيدة تلك التي تفصل بين الأدب والكتابة.. ولاشك أن وسائل العصر بما فيها اتصال وتواصل قد غذت هذه النزعة للكتابة عند كثيرين.. فإذا بالأقلام تشهر، واذا بالنصوص تتهاطل من حولنا وفي كل الاتجاهات، أو أنها تنبت هكذا كالأعشاب البرية..

أما فضاء القصة القصيرة فقد تعرض لغزو حقيقي بأعداد لا حصر لها من القصص، وباستسهال لهذا الجنس الأدبي الذي يكاد يكون السهل الممتنع.. والإنسان يتوق دوماً لأن يطلق ما يتحرك في فضاء الروح نثراً كان، أم شعراً، أو حتى رسماً.‏

وإذ أقرأ كثيراً مما يكتب في هذا الاتجاه لأقلام جديدة ومستجدة أو طارئة على ساحة الكتابة قد تستوقفني بعض النصوص فأجد فيها ما يستحق أن يقرأ، وقد يستفزني بعضها الآخر فلا أعرف بماذا أصف تلك الكتابات، أو أصنفها تحت أي جنس أدبي.. وكأن جنساً أدبياً طارئاً أيضاً يظهر وهو من الحداثة بحيث لا يندرج تحت أي مسمى من الأجناس الأدبية فلا هو بالقصة يحمل مقوماتها، ولا هو بالرواية، أو بالمقالة، ولا هو بالتالي بالخاطرة.. إنها كتابات وكفى.‏

وتحضرني رائعة اوسكار وايلد (صورة دوريان غراي) فأبحث عن الرواية لأقرأها من جديد.. ولتستحوذ عليّ من جديد أيضاً وكأنه إبهار القراءة الأولى.. وكأن النص بحد ذاته تحول الى تلك الاسطورة التي تحدث عنها فظل متوهجاً بالتماعة فكرته المبدعة.. وبراعة تصويره لصراع الخير مع الشر، والإثم مع الفضيلة.. وبتصاعد درامي تختصره عبارات مكثفة تقبض على جوهر المعنى. فدوريان ذلك الشاب الجميل إذ ينظر الى رسم يحمل صورته تنطلق أمنيته بأن يحتفظ هو بشبابه ويهرم عوضاً عنه ذاك الآخر الذي هو الصورة.. كان مستعداً لدفع أي ثمن ولو كانت روحه مقابل تلك الأمنية.. فإذا به يتحالف مع الشيطان واذا بآثامه تزداد، وبالصورة تزداد بشاعة يوماً بعد يوم وكأنها مرآة نفسه التي ما عادت كما كانت.. (دوريان) الذي ظل شاباً في العشرين، وحمّل صورته عبء سنوات العمر وقهرها لملامح وجهه الجميل انطفأ في لحظة فقد معها دهشة الحياة.. فانتهت قصته أمام جسد مسجى لرجل مسن تملأ التجاعيد ملامحه، ولوحة تحمل رسم وجه مضيء لشاب جميل. هذا النص الآسر من كلاسيكيات الأدب كان نموذجاً خرجت من عباءته أعمال أدبية كثيرة.. وهكذا هو الحال مع كل فكرة مبتكرة يأتي بها عمل أدبي متميز يظل حاضراً على ساحة الأدب ولا يقع في بئر النسيان.‏

وفي الغرب يحترم الناشر من يقرأ إصداراته فلا نص يخرج الى النور دون اكتمال شروطه ومنها ما يقوم به المحرر الأدبي، فما من دار نشر إلا وتعتمد محرراً أدبياً يقوم على تهذيب النص حتى يخرج بصورته النهائية التي يرضى عنها كل من الناشر والمؤلف.. وهذا ليس انتقاصاً من قيمة بل تعزيز لدوره. وليس بالضرورة أن يكون ذلك المحرر شخصاً مجهول الهوية، فصاحبة جائزة نوبل للأدب (توني موريسون) كانت تعمل محررة أدبية لدى إحدى دور النشر الشهيرة. ودور المحرر هذا لا يقتصر على النص بل يتعداه الى تسليط الضوء على المبدع كما كان الحال مع أعمال نجيب محفوظ ولمسات طه حسين.. والنماذج كثيرة. فأين هو دور المحرر الأدبي إذن مع تلك الكتابات الجديدة؟‏

وإذا كانت هذه الأعمال التي بقيت خالدة في سجل الإبداع الإنساني قد جاءت بما هو مبتكر وجديد ومدهش بآن معاً.. فهل ستتوفر عناصر كهذه فيما يصدر على الساحة الآن من تهذيب للنص، وإبداع يعلن عن موهبة صاحبه، أم أن تلك النصوص ستتحول الى صورة دوريان غراي تحمل عبء الهرم من الداخل ولا تتألق بما يبقى في الذاكرة؟‏

الوقت كفيل بأن يكشف عن كل هذا.. والقارئ هو من سيحكم على ما يقرأ.. فإما أن يعيش النص وتظل كلماته تنبض بألف معنى ومعنى، وإما أن يحكم عليه بالإعدام فور ولادته.. والأمر مرهون بمعيار الأدب الذي يزن الفكر بمعيار الذهب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية