تذوب المرأة في الفضفضة, وتتعاطى معها وكأنها الحلم الذي قد يأتي من خلال هذا العنوان المتسع, تبدو الفضفضة معها عطر الحياة الذي فقدته في كل مراحل حياتها, بل من خلالها تمسك بكل اللغات الغائبة, والأبجديات التي رسبت في فهمها, تفضفض المرأة طفلة, ومراهقة, وشابة أو ناضجة, وأربعينية وستينية, وإلى آخر عمرها وإن اختلف مفهوم هذه الفضفضة حسب السن والاهتمامات.
ناديا الأحمد: نرتاح أحياناً عندما تضيق بنا الدنيا, ونذهب لمقابلة صديق قد لا نراه كثيراً, لكن هذه اللحظة هي الاحتياج الحقيقي له, نفضفض, نفتح كل الأبواب المغلقة, نتحدث, ويساعد هو أيضاً باستماعه, واستيعابه لكل ما نقول من منطلق محبة واهتمام ورعاية.
رانيا تنبكجي: تعتبر أن المهم في أمور الفضفضة الحديثة أن الأمر لم يعد مجرد حكايات للجارات, أو الصديقات, أو الزميلات ترمي كل منهن حمولها على الأخرى, ومشكلاتها وضيقها بشكل بريء وطبيعي, بل أصبح الأمر له مفهوم أكثر من ذلك وهو ما يسمى العلاج بالفضفضة, فالطبيب النفسي بعد تباعد الناس عن بعضهم, واختفاء أهمية الجيران, وتباعد الأصدقاء بفعل سرعة انطلاق المعطيات الحياتية أصبح هو البديل, وهو المستمع, بعد أن كانت الفضفضة لمن نحبهم,ويحبوننا,ونطمئن إليهم.
لكن ماذا يعني مفهوم الفضفضة؟ السيد نذير العوا استشاري علم النفس يقول: إن الفضفضة تعني طاقة زائدة داخل الإنسان من الأخطاء والأسرار والقضايا وهي أقرب ما تكون إلى طاقة البخار المكتوم الذي يجب أن يخرج حتى يستقر الوعاء, وإلا ستصبح مصدر خطر شديد, ولعل أهم مواصفاتها وشروطها أن تكون لمن نحبهم ويحبوننا لأن بها جزءاً من تعرية الذات, والإنسان لا يتعرى أمام الغرباء.
وأن تكون للأكثر عقلاً ونضجاً, فلا يجوز أن نبوح بأسرارنا لمن تغلب عليهم الانفعالات, وأقل ما يطلب ممن يصغون إلينا هو الفهم ثم المساندة, والنصيحة, فإذا ما افتقدت الفضفضة هذه العناصر الإيجابية, أصبحت بلا معنى. وأن نعرف دائماً أن هناك ما يسمى بحزام الخطر، فهناك أمور محظور علينا تماماً أن نبوح بها, حتى لا نعطي الطرف الآخر السلاح الذي يقتلنا به يوماً, وأن نعي أي الموضوعات تصلح للفضفضة, وأيها يجب أن تدفن في القبر الداخلي للنفس ولا تخرج أبداً.
ويرى استشاري في علم النفس أن الفضفضة عندالمرأة مملوءة بالتفاصيل والقضايا الجانبية فيها أهم من القضايا الجوهرية, وهدف المرأة دائماً منها ليس الوصول إلى حل, بقدر ما هو الوصول إلى الراحة, لذلك تختص فضفضتها دائماً بالبكاء, ويشير إلى أن أغلب الأمراض النفسية التي تبدأ بالقلق وتنتهي بالاكتئاب, سببها غياب الفضفضة, فعندما يدخل الإنسان الشرنقة الذاتية, ويعايش أزماته دون شريك أو سند, يسقط فريسة للأمراض النفسية, في حين يعيش الإنسان الذي يخرج ما بداخله أولاً بأول في حالة صحية جيدة, وأخيراً لا يوافق على مقولة من يضيق صدره بأسراره يضيق بأسرار غيره ولا يستطيع كتمانها, لأنه يرى أن أسرار الإنسان فقط هي ما تؤلمه وتود الخروج للبحث عن طاقة نور.
أكد خبراء علم النفس على خطأ شعار «الفضفضة لا تفيد» الذي يرفعه بعض الموظفين الذين يعانون من إحباط في العمل. وأوضح عالم النفس مانويل توش أنه إذا كانت تنتاب الموظفين مخاوف وهواجس بالفصل عن العمل، فإنه من المفيد قطعاً أن يفتحوا قلوبهم لبعضهم البعض ليفضفضوا ويعبروا عما يؤرقهم، مع مراعاة عدم المبالغة في التعبير عن الشكوى. فإذا ما وصل الأمر إلى حد النحيب والعويل المستمر، فقد يكون لذلك نتائج عكسية، ويقول توش: «لا يجوز أن يدفع الموظفون بعضهم البعض إلى مرحلة السأم».
ويشير توش الذي يعمل أيضاً كاستشاري توظيف، إلى أنه من الخطأ أن يقمع الموظف مشاعر الإحباط والخوف التي تساوره، قائلاً: «يجب على الموظف أن يأخذ حالته النفسية على محمل الجد». غير أن توش يعود ويؤكد على ضرورة أن يدرك الموظف أن الفضفضة والتعبير عن الشكوى لا تمثل حلاً للمشكلة التي يمر بها، وأنها لا تعدو كونها مجرد خطوة أولى على طريق الخلاص من هذه المشاعر، ففي الخطوة التالية ينبغي أن يتساءل الموظف عن الأشياء التي يمكنه تغييرها كي يتخلص من مخاوفه وهواجسه.