ومع ذلك ترى الحياة ماضية مستمرة و كأن الحدث لا يعنيها..
فبعد ليلة عصيبة تخشى بها العيون الاستسلام لنوم عميق، حيث تستنفر الحواس ترقباً لحدث ما أو خطر محتمل، لتبدأ عقارب الساعة بالزحف فتجر الثواني والدقائق بتثاقل وتحد لنزوع بشري للاستغراق في السكينة والأمان، ومع ذلك تمضي الساعات المتراخية في عتمة الليل، ليبزغ فجر نهار جديد تنهض معه إرادة الحياة والاصرار على قهر الصعاب.
ومع إشراقة شمس كل صباح تنفض دمشق كغيرها من المدن السورية الهموم والحزن عن كاهلها ليبدو هذا الصباح ليس من ذاك المساء فتنبض بالحيوية كل تفاصيل حياتنا اليومية التي ترفض الاستسلام للموت رغم التحديات، حتى مشاعر الأمومة وهواجس الآباء بالخوف على الأبناء خاضت التحدي الأكبر والأصعب، فلم تحُلْ دون التوجه لمقاعد الدراسة في ظروف قاهرة قد يبدو طلب العلم من الصين أكثر هوناً، فترافقهم الكثير من التعليمات والتوجيهات التي تحدد الطريق والحركات والسكنات حتى نوعية الأحاديث مع الأصدقاء، ولاتلبث أن تلاحقهم المكالمات الخلوية للاطمئنان وإن حدث وخرجوا عن التغطية اشتعلت نار القلق وبدأت الأفكار السوداء بالتوارد، وفي طريقهم إلى مقاعدهم المدرسية والجامعية تصحبهم نبضات القلوب والدعوات بالعودة سالمين من كل شر متربص وراء عبوة ناسفة أو تفجير إرهابي أو قناص حاقد أو خاطف طامع بفدية ولا تهدأ دقات القلوب إلا مع عودتهم بخير.
كما لم تحُلْ السهرات المتوترة والأرق المفروض قسراً من نهوض العمال والموظفين باكراً إلى أعمالهم لنجدهم وقد بعثوا الحياة في الشوارع التي ملت دوي الانفجارات والحقد الأسود المتخفي في ظلام الليل، لتدور عجلة الحياة وتتابع مسيرة البناء رغم صعوبة الوصول إلى مكان العمل والأخطار المحدقة.
وبعض الأضرار المادية أو حتى كثيرها لم تثنِ هذا التاجر الصغير أو ذاك من فتح باب محله التجاري وإزاحة الزجاج المتهشم وآثار الدمار ومسح بصمات الارهاب والتفاؤل بيوم جديد يحمل الرزق الوفير... كل هذه التصميم والاصرار على متابعة الحياة العادية جعل المتتبع للشعب السوري يصاب بالدهشة والاستغراب، ويضرب المثل بقدرته على التأقلم ومواجهة التحديات وقهر الصعاب ولسان حال المشاهد يقول.. إنه شعب جبار أقوى من الأزمات ومحصن من الانهيار...