فرغم أن بعض هؤلاء المرتزقة جاؤوا إلى سورية تحت عناوين «جهادية» إلا أن إساءاتهم وحماقاتهم الكبرى بدأت من بيوت الله مستهدفة إياها قبل غيرها، فعلى نفس المنابر التي أعدت لتقديم الوعظ والإرشاد للناس والحض على الأخلاق والقيم والمبادئ والإصلاح وقف هؤلاء الإرهابيون التكفيريون ليبعثوا برسائل الفوضى والقتل والدمار إلى المجتمع السوري معبئين بأفكار تعود إلى عصور الجاهلية والانحطاط ومدفوعين بأحقاد نشأ وترعرع عليها أتباع الوهابية في مجاهل صحراء الربع الخالي.
آخر ارتكاباتهم ـ وارتكاباتهم باتت اليوم عصية على العدّ والإحصاء ـ كانت تدنيس وتخريب الجامع الأموي في مدينة حلب الشهباء نظرا لما له من مكانة هامة وقدسية في قلوب الحلبيين توازي مكانة الجامع الأموي في دمشق في قلوب أهل الشام وسورية والعالمين العربي والاسلامي، حيث اتخذه المسلحون الإرهابيون بعد اقتحامه بوقت قصير مقرا لعملياتهم القذرة وإجرامهم بحق الإنسانية والدولة وبحق الآمنين في أحياء مدينة حلب.
فقد جاؤوا بكاميراتهم القذرة ومراسلي «العبرية» السعودية والجزيرة القطرية ليوثقوا عملية التخريب والتدمير الممنهجة التي قاموا بها في المكان تحت عنوان «تحرير الجامع» من أجل إلصاقها بالطرف الذي أشاد الجوامع وعلى بنيانها وجعلها منبرا للصلاح والتقوى والصلاة، ولكن إرادة البطولة التي يتمتع بها بواسل قواتنا المسلحة أفسدت على هؤلاء المخربين فرحتهم القصيرة وتمكنت من استعادة الجامع إلى أهله ومصليه وتطهيره من رجس القتلة والإرهابيين، فجاء مرسوم السيد الرئيس بشار الأسد القاضي بتشكيل لجنة لترميم وإصلاح الجامع مما لحق به من تخريب بمثابة الرسالة التي تقول أن «الإرهاب هو الذي يدمر والدولة هي التي تبني، فمثل هؤلاء المرتزقة لا يعرفون سوى القتل والتخريب وليس في جعبتهم سوى رسائل الموت فكل مكان تطأه أقدامهم النجسة يحل فيه الخراب والفوضى، ولذلك كان أهل حلب الأوفياء عند حسن الظن حين التفوا حول قيادتهم وجيشهم لتطهير المدينة من بقايا إرهابهم وفسادهم.
لا شك أن أحداث حلب وما رافقها من مواقف سياسية نارية وفبركات إعلامية مقززة من جهات ودول بعينها قد كشف كل المستور ووضع النقاط على الحروف ولم يترك مجالا للتحليل والتأويل حول طبيعة ما جرى ويجري وغاياته واستهدافاته، فحين عجز أزلام وغلمان الجامعة الخليجية ومعهم حلفاؤهم الجدد تركياـ أردوغان العثمانية الجديدة وولية أمرهم الولايات المتحدة الأميركية عن تمرير مخططاتهم التآمرية في إخضاع العاصمة دمشق القلعة المقاومة الصامدة لسلطة الغوغاء والمرتزقة التابعين لهم كانت وجهتهم إلى حلب لأهميتها كعاصمة للشمال وعاصمة للاقتصاد والتاريخ وصنو دمشق في العراقة والحضور ظنا منهم أن حلب يمكن أن تكون خاصرة سورية الرخوة، ولكن خاب فألهم وسقطت أحلامهم عند أقدام الحلبيين حين استعادت حلب زمن الحمدانيين والأيوبيين والمماليك البحرية الذين وقفوا على مئات من الأعوام يصدون غارات السلاجقة والروم والتتار والصليبيين والعثمانيين.
ما جرى ويجري اليوم في حلب أعطى صورة مفصلة ودقيقة للمشروع التخريبي الذي ينطلق منه أطراف المؤامرة ضد سورية، فقد كانوا يريدون أخذ حلب خارج الوطن لكي يسهل عليهم التكالب والانقضاض على جسده لنهشه، ولكن حلب بقيت كعهدها في قلب سورية تصد مرة أخرى غارات المارقين والبرابرة والتكفيريين الجدد، طبلوا وزمروا كثيرا لمعركة حلب، وحللوا وركبوا واستقدموا الأميين والجهلة ليشرحوا لنا على قنوات العار العربية كيف ستسقط حلب وما أهمية سقوطها، لكنهم سقطوا عند مزابل حلب حين أضحت حلب بقلعتها وجامعها الأموي وأسواقها وحاراتها وأحيائها عنوانا لكبرياء الوطن وعزته وكرامته ورمزا لصموده وانتصاره.
لقد كانت رسائل المتآمرين على سورية واضحة كل الوضوح في حلب حين أرادوها أن تسقط بسقوط الجامع الأموي، والمعركة على الجامع الأموي تشبه المعركة على المسجد الأقصى، فهناك في القدس يهود وصهاينة وأميركان يحاولون هدم وتدمير المسجد الأقصى من أجل بناء الهيكل المزعوم للصهاينة المحتلين يقف خلفهم ويتواطأ معهم على الدوام عرب الصحراء وباعة النفط وحراسه، أما في حلب فيوجد مرتزقة وإرهابيين وشذاذ آفاق ومستعربين يحاولون تدمير الوطن بمقدساته ومكتسباته ومقدراته وإنسانه يقف خلفهم ويتواطأ معهم الصهاينة والأميركان وبعض الأوروبيين، إنهم شركاء في المعركتين ولكن فقط يختلف تموضعهم أثناء الاشتباك.