إن احتضان ربوع محافظة السويداء لمسابقة شعرية، بهذا المستوى الأدبي الرفيع، ومشاركة شعراء معروفين وبارزين – عدد غير قليل منهم من أعضاء جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب- من مختلف محافظات سورية، ظاهرة ثقافية تنسجم مع التقاليد الوطنية العريقة في هذه الربوع، وكم يتذكر المرء وهو يتابع في القصائد المشاركة، تغنيها بقنوات وآثار شهبا تارة، وبعاصي حماة ونواعيره الشادية تارة، وبقرى الحسكة تارة أخرى، وبالشخصية الوطنية العظيمة سلطان باشا الأطرش صاحب السيرة العطرة، وغيرها من الشخصيات الأدبية والسياسية والوطنية التي ربت الأجيال على هذه المثل النقية والناصعة، وإن ما تعمر به متاحف السويداء من صور لمجاهدين من ربوع سورية المختلفة، شاركوا مجاهديها حب الأوطان، إلا عنوان زاه من عناوين تلك التقاليد وأضاف سكر: جئناك اليوم يا عمر، أيها الشاعر العربي الكبير، على أجنحة القصائد ورنين قوافيها، إلى ربوع السويداء، التي كانت أثيرة لدى قلبك، وكان لك إليها زيارات كثيرة، ولك فيها صداقات وعهود مودة، جئنا نقبس منك ومنها، ألقا لفنون الشعر والأدب والإبداع، وبلسما لجراح أوطان وأمة، وما عهدنا بك وبها، إلا سبل لينابيع إبداع، وحكمة هادية.
وأضاف رئيس لجنة التحكيم للمسابقة في سياق تقرير لجنة التحكيم للجائزة المؤلفة من الشعراء: أ.د. راتب سكر، و أ.د. سعد الدين كليب، و أ.د. وفيق سليطين.
إن أعضاء لجنة التحكيم اطلعوا على القصائد المشاركة، ووضع كل منهم العلامة التقديرية التي رآها مناسبة، لكل قصيدة، وبعد جمع العلامات الثلاث التي حازتها كل قصيدة، وتقسيم ناتج الجمع على ثلاث، والعودة إلى السجل الذي يبين أسماء الشعراء المشاركين وعناوين قصائدهم، تبين أن ترتيب القصائد الفائزة، جاء وفق الآتي:
- الجائزة الأولى للشاعر صهيب عنجريني (حلب) عن قصيدته «من يوميات آدم الدمشقي».
- الجائزة الثانية للشاعر منير خلف (الحسكة) عن قصيدته «خريف مغلوجة التاسع والثلاثون».
- الجائزة الثالثة للشاعر رضوان حزواني (حماة) عن قصيدته «أغنيات صامت».
مضيفاً لقد تداول أعضاء لجنة التحكيم الرأي حول القصائد المشاركة، فتوقفوا على الملاحظات الآتية:
القصائد المشاركة يهيمن في قسم منها استلهام سور القرآن الكريم وآياته، بمثل استلهام قصيدة صهيب العنجريني «من يوميات آدم الدمشقي» الفائزة بالجائزة الأولى لشخصية سيدنا آدم، وحادثة اقتتال قابيل وهابيل، بقول الشاعر:
لم يبق لي ما يخفف هول الحقيقة
في أول الأرض دمٌ
وفي آخر الأرض دمٌ
وثمة استلهام واسع للقص القرآني الكريم بمثل استلهام قصيدة «أغنيات صامت»، الفائزة بالجائزة الثالثة، لجوانب من قصة سيدنا يوسف، ومن أبياتها المعبرة عن ذلك قول الشاعر رضوان الحزواني:
وعجاف يأكلن أخرى سمانا
ما توانت تجترّ إقْطا وحيْسا
ما وراء الجدران هل جدّ شيء؟
هل أذاعوا عن آل يعقوبَ طِرسا؟
هل أناختْ سيّارةٌ حولَ جُبّ؟
تبتغي غاليا وتدفعُ بخسا
يهيمن في قسم منها استلهام موضوعات التراث العربي، ولا سيما الموضوعات والظواهر الأدبية، ومن أبرز هذه الموضوعات ما يتصل باستلهام سيرة أبي الطيب المتنبي وأدبه.
من الموضوعات المهيمنة في القصائد المشاركة يبرز استلهام قصائد الشاعر عمر أبي ريشة الذي حملت الجائزة اسمه الجميل والكريم، كما يبرز في بعضها استلهام قصائد الشاعر محمود درويش.
من الظواهر البارزة في القصائد المشاركة، استهلال عدد منها بافتتاحيات شعرية ونثرية من التراث العربي والعالمي.
تهيمن التفاصيل الجغرافية والبيئية في القصائد المشاركة، معبرة عن اليومي والحميم في الحياة والوجدان، بمثل ذكر قرية مغلوجة في عنوان القصيدة الفائزة بالجائزة الثانية للشاعر منير خلف، وهي قرية في جبل عبد العزيز بالحسكة، وقرية التوينة القريبة منها، ونبات القندريس المعروف في تلك الربوع...
ومن هذه التفاصيل الجغرافية والبيئية، يتكرر في غير قصيدة، ذكر العاصي والنواعير، بمثل قول الشاعر رضوان حزواني:
وقميصٌ أضاء عينيْ كظيمٍ
وأعاد الوجوه بِشْرا وأُنسا
أزهر الحُلْمُ، يا نواعيرُ ميسي
في ضفاف الأحلام والحزن مَيْسا
وصرح الشاعر صهيب العنجريني (ابن حلب) الفائز بالجائزة الأولى عن قصيدته من يوميات آدم الدمشقي» لمدير مكتب الثورة قائلاً: إن العلاقة بين حلب والسويداء هي ذات العلاقة بين حماة وحمص وحلب واللاذقية وبين جميع محافظات سورية الغالية وشخصياً تربطني بالسويداء ذكريات غالية فقد حصلت فيها على أول جائزة في المسرح عام 1997 كما حصلت على الجائزة الأولى عن مجموعتي الأولى في مهرجان المزرعة عام 2003 وتربطني بهذه المدينة كثير من الصداقات واللحظات الجميلة وعن علاقة قصيدته بالحدث السوري قال: بالمختصر فإن العقد الموجود في قاسيون هو أول دم في البشرية سفك على هذه الأرض الطاهرة والآن يتكرر المشهد بين قابيل وهابيل والأسباب كثيرة والوساوس ونحن وبكل أسف نشاهد هذا الدم يسفك يومياً، وأقول إن دمشق هي آدم وآدم هو دمشق ونرجو أن يكون هذا الأمر طارئاً وأن نغني لآدم وحواء بدلاً من أم نغني لقابيل وهابيل معربأً عن سعادته بالجائزة عن المسابقة التي تقيمها مديرية الثقافة ويمولها الأستاذ كنانة الشهابي ابن أخت الشاعر أبي ريشة قائلاً: لا أتصور أن أحداً له علاقة بالشعر إلا وله علاقة وطيدة بالشاعر عمر أبي ريشة، الذي اعتبره أمير الشعراء العرب في العصر الحديث، وكوني ابن حلب هذا يشكل أهمية مضاعفة للقصيدة
بينما حالت الظروف دون حضور الشاعرين الفائزين منير خلف (الحسكة) ورضوان حزواني (حماة) فتلا كل من الشاعرين موفق نادر ومنصور هنيدي قصيدتيهما الفائزتين بالجائزة.
وقد قام الدكتور عاطف النداف ويحيى الصحناوي عضو قيادة فرع الحزب والأستاذ كنانة الشهابي ممول الجائزة وبشار نصار عضو المكتب التنفيذي المختص والدكتور فايز عز الدين رئيس فرع اتحاد الكتاب بتقديم الدروع والجوائز على الفائزين والمحكمين.
مقتطفات من القصائد الفائزة
- مقطع من القصيدة الفائزة بالجائزة الأولى للشاعر صهيب عنجريني:
لعلك يا قلب تقوى قليلاً على الحلم بعدُ
لعل السماء ستوغل في الأزرق الصرف
إذ يعتريها خشوع يمام دمشق غداً حين يشدو
لعلك يا روح تصغين لي- كيف تحيين إن لم يجملك ضد
لتويّ سوّيت كلَّ الخلافات ما بين بصرة قلبي وكوفته واتفقنا جميعاً
أن «الراء» طارئ أحرفنا ثم قلنا: نغني عن الحب كي نوقف الحرب
هامش
تبدلت الديار ومن عليها
«متن»1
ووحدي في ليلة العيد
رحت أمشط شعر العدم
غداً لا تضع في الجيوب سكاكر
ثوبك أبيض
ليس عليك معانقة العشب
ألق التحية رمزاً
وخف الخطا في ممر المشاة
وكن مثلما ينبغي للصبي اللطيف
إذا مسه البرق..قبله وابتسم
غداً
لا تراقص رفيقتك الغجرية تحت المطر
وعد باكراً
ليل تشرين يأتي على غفلة
فجأة يوحش الدرب
فأرفق بروعي
وعد مثلما سوف تذهب
لونك أبيض من غير سوءٍ
فإن مسك الموت ليس عليك جناح
فقط كن كما ينبغي للقليل النبيل
قمت باكراً كي نقيم عزاءك قبل العشاء
فثمة جيران يزعجهم أن يطيلوا السهر...
- ونختار من قصيدة منير خلف الفائزة بالجائزة الثانية بعنوان(خريف مغلوجة التاسع والثلاثون) المقطع التالي:
إذا كنت مستيقظاً ياصديقي
فقم أيقظ الفجر
من غفوة الليل
لا تنس وجهك
هل غسلت أعين التائبين شحوب النجوم
وهن يكفكفن حسرة ما قد تبقى
على أرجوان البكاء
إذا كنت تعرف نفسك
لا تبخس الشعر أشياءه
ولتكن حارس الحرف
وافتح نوافذ يتمك
حق على القادمين
من الزفرات الأخيرة
في ليلهم
أن يروا فرصة للهواء..
- ومن قصيدة رضوان عبد الرحمن من حماة الفائزة بالجائزة الثالثة اخترنا هذا المقطع:
ما أغني ؟ والصمتُ أعذب جرسا
وبنات الشفاه أمسين خرسا
ويراعي على الخطوب رضيع
لا يهجي من الرضاعة درساً
والشجون التي تدندن أعتى
من لحون تخاف لمحاً وهجسا
عبثاً ننشد اللحون لتتلى
ولهاة الرباب تقطر بؤسا
أتراني أحس؟ لا، لست أدري
وأنا أغتلي ضميراً وحسا
والنواطير ألف لون ولون
كم تجيد الحرباء خلعاً ولبسا
إن بيني وبين نفسي جداراً
والذي بيننا أشد وأرسى
أيه، ما الوقت؟ يا ضبابُ، أصبحٌ
في المغاني؟أم المساء تمسى
وأرى ساعتي تدور وراء
وكأن الأمام أصبح أمسا
والثواني تذرو رمالاً وشوكا
ووجوه الصوان أعتى وأقسى
موطن القمح كوكبي، فلماذا
أجد الأخضر المحبب يبسا...