تعلمنا عندما نقول الشام نعني سورية جميعاً، فكل سوري دمشقي (شامي أصيل) كان الأطفال عندما ينقطع باقي الحبل السري عن أجسادهم تخبئه الأمهات لتلقيه في أولى زياراتها للشام، في إحدى حدائقها أو جامعتها، أملاً بأن يصل ابنها دمشق فينال تعليمه العالي وينعم بجمال شامة الله على أرضه، حالمة بمستقبل أفضل لوليدها، وكأن المستقبل في جوارها مرتبط دائماً بالشام... بحسهن الفطري شعرن بما هو واقع وحقيقة.
دمشق هي الأولى دائماً.. هي الحب والخير والعطاء والملاذ... هي الوطن الأم بلا منازع.. عندما شمخت الشام في شخص كوليت خوري سيدة القلم النسوي على منبر الأونيسكو في ذكرى سعيد عقل الذي أطرب بكلماته فيروز والرحابنة فأطربو العالم أجمع، وسورية القصيدة بشآمها وهي السيف الذي لم يغب أبداً، قالت كوليت عن لبنان بالحس الدمشقي الخالص هي الكلمة والكلام بين الله والناس، إنها سورية التي شمخت كوليت بها وهي تتحدث عن جدها فارس الخوري الرجل الذي لم يساوم على الشام يوماً... والشام سورية جميعاً، لأنها الجامعة للأنبياء فهي مهدهم، كما هي معقل الحرية ومنبت الحضارة، ودمشق الشام بكليتها، والشام الأمة بكليتها..
هذه التي عندما سأل الصحابة رسول الله (ص) يوم وطئ القدم، عن السر في عدم دخوله إليها وهي أرض الأنبياء، أجاب (ص) لا يحق لي أن أدخل الجنة مرتين... إذن هي الجنة حقيقة، وأنهارها تثبت أنها أرض الجنة لأنها من أنهار الجنة بالسند المثبت وحتى أسماء أبوابها...
والسؤال برسم الجميع بدءاً ممن يدعونها شام شريف في إسقاط الصفة على سورية جميعاً، مروراً بأهلها ومن يمتلك داراً على ترابها الطاهر، وانتهاءً بمن وَفَدَها أو يعيش فيها واليوم يرفع سلاحه بوجهها، كيف سنلقى الله ونحن ننتهك حرمة قطعة من الجنة، ورب العزة وحده المتفرد بذاته الألوهية عز وجل يمتلك حق الحساب والثواب والعقاب، ومن الذر الأول حدد الآجال.
فيا محبي الجنة احفظوها حفظكم الله، فجميعنا أسكن دمشق في نبضات قلبه، وشمخ به مشرئباً يفخر بهويته السورية التي تميزه ممهورة بعشقها، حتى ترخص فداءها الروح.
ولأن سورية كلمة الله للناس في سر التكوين فلا بأس أن تكون لبنان الكلمة والكلام بين الله والناس، لأنها أصلاً من الرحم السوري الذي ولدنا جميعاً منه.
والرحم لا يلد عدواً، وإن وقع الوليد في الضلالة لا بد يثوب الى رشده، ويبعث الحيوية والروح في ذاته المسلوبة، ليستعيد قواه الخيّرة المنتصرة على الرعونة التي أخذته الى مساحات بعيدة عن ذاته النقية الأصيلة تحت ذرائع واهية، لبوسها الإسلام المتصالح مع العلمانية في غيبية مبطنة مليئة بالحقد والإرهاب، يستطع الحصيف بحسه تفنيدها وكشف مستورها لتنجلي الحقيقة ويظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
فلا يوغل في الشر وأوله الخطأ ومنتهاه الموت والدمار..
فلا ثقافتنا ولا قيمنا ولا أخلاقنا يمكنها أن تكون متساوقة مع السياسة الرعناء، التي يمارسها أولئك الذين جعلوا من أنفسهم جزءاً من الأزمة السورية في حركة دائرية، محيطها الضلالي الواهي مساندة المعارضة السورية كما يدّعدون، لكن مركز دائرة النار هذه أحلامهم وطموحاتهم التي يصبون إليها، هي ذاتها التي قالها غورو عندما دخل دمشق وذهب إلى قبر صلاح الدين قائلاً: ها نحن عدنا يا صلاح الدين.. هو ذات المشهد مع اختلاف الشخوص والطرائق، وهم اليوم يرقصون على صفيح الأزمة الساخن، لكنه سيحرق أرجلهم حتى لتنسلخ مرة بعد مرة كلما غالوا في الانخراط في الأزمة السورية جزماً أنها ستنعكس وبالاً عليهم، فهم في كل فعل يستفزون المشاعر الوطنية السورية لدى الشعب السوري، الذي يكشف مستورهم ومكائدهم فيرتفع بذلك منسوب الكراهية لهم، واستدراك العقلانية التي بدأت توقن حجم المؤامرة التي تحيط بالوطن، من خلال وكلاء الغرب المأفون في مقارعة الوطن وأبنائه.
وها هي جموع الشعب بكل أدواتها العسكرية والإعلامية والسياسية تنبري لهم فتفضح مؤامراتهم، وتميط اللثام عن أنيابهم، وترفع المقص لتقليم مخالبهم التي تحاول أدواتهم غرزها في الجسد السوري فيدمى ويتهالك وتخور قواه، فيقدمونه على طبق من فضة للعدو الصهيوني..
خاب فألهم وخسئت أفعالهم وخارت قواهم تجاه الإرادة السورية الشعبية بكل مكوناتها..
إنها سورية بتكوينها ومكوناتها..
إنها كلمة الله للناس في ذر التكوين الأول