بل تحول الحوار في بعض الجوانب إلى شبه منظمة عالمية لها أطراف ومقر ومؤسسات متفرعة منها , فكان الحوار بين الشمال والجنوب , والحوار بين الثقافات والحوار بين الأديان .
وكان الهدف المعلن لأغلب الحوارات الوصول إلى تفاهم بين الشعوب , والتوصل إلى صيغ مشتركة , ليدخل الجميع الألفية الثالثة بعالم جديد متغير تختفي فيه الفوارق وتنتهي المواجع والآلام , وتتحول المواجهات والتصادم إلى التلاقي والتفاهم .
لننظر إلى العالم اليوم وقد مضت ست سنوات كاملة من الألفية الثالثة ونحن في بداية العام السابع , وهي سنوات كافية لظهور حراك ملموس في قضايا ذاك الحوار , وإنتاج تفاهمات مشتركة حول القضايا المثارة .
ماذا نرى ? !!
ننظر فنرى أن الحوار كان من نوع ( كلام الليل يمحوه النهار ) , ولنجد أن التصادم اليوم أعمق من ذاك الذي خلفناه وراء ظهورنا , والشرخ أوسع مما كان عليه في نهاية الألفية الثانية .
ومثل هذا الوضع الذي آلت إليه البشرية في الألفية الثالثة لا يحتاج إلى كثير من الفلسفة والتفسير , فالدعوة إلى الحوار كانت تأتي دائما من طرف قوي , ويحاول هذا الطرف فرض رأيه وتوجهاته على الآخر , فأصبح الآخر مغبونا وليس ندا له ما له وعليه ما عليه.
ومن الأسباب الجوهرية في عدم تحقيق غايات وأهداف الحوار كما أرى أن كل طرف يحاور وهو متشبث بأفكاره منغلق عليها , يحاور وهو ينظر إلى الطرف المقابل بريبة وشك , بل يصل الأمر بالجنوب إلى الاعتقاد بنظرية المؤامرة , وبالمقابل يعتبر الشمال أن الطرف المقابل مصدر القلاقل وتهديد لقيمه الاجتماعية والثقافية التي بلغها في هذا العصر .
ويبدو الآن واضحا على أرض الواقع أن ما يشعر به كل طرف إلى الآخر هو حقيقة وليست مجرد شك وتخمين , ولذلك تتطابق النتيجة النهائية للحوار مع المثل القائل: (كأننا يا بدر ما رحنا ولا جينا ) والمثل ( كأنك يا أبو زيد ما غزيت ) ,