تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حفرة في الجدار.. الحداثة الشعرية تاريخ النفي والإثبات

كتب
الأربعاء 14-3-2012
يمن سليمان عباس

يبدو أن الحداثة الشعرية ليست هماً نقدياً لدى المبدعين العرب وحدهم بل هي هم إنساني وكما إن مشاغلها تكاد تكون متشابكة فإن تجلياتها أيضاً تتشابك وتتماهى لينفرد كل مبدع بخط يميزه عن الآخر.

أوكتافيو باث يبحث في الحداثة الشعرية بكتاب تحت عنوان أطفال المستنقع - الشعر الحديث من الرومانسية إلى الطليعية صدر حديثاً عن دار التكوين وقد ترجمه أسامة اسبر.‏

لماذا هذا الكتاب؟!‏

قدم المؤلف لكتابه قائلاً: لكي أوضح وحدة الشعر الحديث اخترت من تاريخه الحوادث التي أرى أنها وثيقة الصلة أكثر من غيرها، ولادة هذا الشعر في الرومانسية الانكليزية والألمانية، استمراريته في الرمزية الفرنسية والحداثة الأميركية الاسبانية وأخيراً وصوله إلى الأوج في الاتجاهات الطليعية للقرن العشرين.‏

كان الشعر الحديث منذ أيامه الأولى رد فعل على العصر الحديث وقد ناضل في البداية في اتجاه ثم في آخر بما أن تغييراً طرأ على تجليات «الحديث» والتي هي التنوير والعقل النقدي والليبرالية والوضعية والماركسية، إن هذا يشرح غموض علاقات الشعر الحديث مع الحركات الثورية للعصر الحديث بدءاً من الثورة الفرنسية انتهاء بالروسية فغالباًَ ما كانت تلك العلاقات تبدأ بتفان حماسي يتبعه تمزق عنيف.‏

حين عارض الشعر العقلانية الحديثة أعادوا اكتشاف تراث قديم قدم الإنسان، أبقته على قيد الحياة نهضة الأفلاطونية المحدثة والطوائف الهرمسية والسحرية واتجاهات القرنين السادس والسابع عشر وقد عبر هذا التراث القرن الثامن عشر واخترق التاسع عشر حتى وصل إلى قرننا وأنا أشير هنا إلى التناظر رؤية الكون كنسق من التناظرات وإلى اللغة كصنو للكون.‏

إن التناظر كما فهمه الرومانسيون والرمزيون تدمره المفارقة، أي وعي العصر الحديث ونقده للمسيحية والأديان الأخرى.‏

يقع الكتاب في 205 صفحات من القطع المتوسط، يتناول فيه الكاتب مواضيع عدة:( تراث ضد نفسه -ثورة المستقبل- أطفال المستنقع- التناظر والمفارقة- الترجمة والاستعارة- إغلاق الدائرة- النموذج معكوساً- أفول الطليعية) .‏

الرومانسية وصهر الحياة‏

في معرض حديثه عن الرومانسية يشير المؤلف إلى أن الرومانسية كانت بالإضافة إلى كونها حركة أدبية مذهباً أخلاقياً جديداً، ايروتيكية جديدة وسياسة جديدة ربما لم تكن ديناً لكنها كانت أكثر من فن جمالي وفلسفة، كانت طريقة في التفكير والشعور والحب والقتال والسفر، طريقة في الحياة وطريقة في الموت، قال فريدريك شليغل في أحد نصوصه التصويرية، لم تقترح الرومانسية حلاً ومزجاً للأنواع الأدبية وأفكار الجمال وحسب وإنما هدفت في الوقت نفسه إلى صهر الحياة والشعر بوساطة الأفعال المتناقضة والمتقاربة للخيال والمفارقة ولقد تجاوزت هذه المسألة هادفة إلى جعل الشعر اجتماعياً.‏

ولدت الرومانسية في انكلترا وألمانيا في الوقت نفسه تقريباً وانتشرت في أوروبا كمرض روحي لم يأت تفوق الرومانسية الانكليزية والألمانية من السبق الزمني وحسب وإنما من فرج البصيرة النقدية والأصالة الشعرية تداخل في كل من اللغتين الإبداع الشعري مع التأملات النقدية في طبيعة الشعر التي تميزت بتوتر وأصالة واختراق لانظير له في آداب أوروبية أخرى كانت النصوص النقدية للرومانسيين الانكليز والألمان بيانات شعرية حقيقية أسست تراثاً استمر إلى يومنا هذا.‏

ويشير المؤلف إلى أن الرومانسية الفرنسية الحقيقية اثنتان: إحداهما الرومانسية الرسمية للكتب المدرسية وتواريخ الأدب -الفصيحة والوجدانية والاستطرادية التي يمثلها دي موسيه ولامارتين والأخرى التي هي الحقيقية بالنسبة له والتي صنعها عدد قليل من الأعمال الأدبية والمؤلفين أمثال نرفال ونودييه وهوغو في فترته الأخيرة وما يدعى بالرومانسيين الثانويين.‏

والواقع أن الورثة الفرنسيين الحقيقيين للرومانسية الألمانية والانكليزية هم الشعراء الذين أتوا بعد الرومانسيين الرسميين من غوتييه وبودلير إلى الرمزيين منحنا أولئك الشعراء نسخة مختلفة عن الرومانسية ومع ذلك هي نفسها لأن تاريخ الشعر الحديث هو تأكيد مدهش لمبدأ التناظر، إن كل عمل هو نفي وبعث وتحويل للأعمال الأخرى بهذه الطريقة لاينفصل الشعر الفرنسي في النصف الثاني من القرن الماضي عن الرومانسية الألمانية والانكليزية إنه امتداد لها لكنه استعارتها كذلك إنه ترجمة تلتفت الرومانسية إلى نفسها تتأمل ذاتها وتلغيها تطرح الأسئلة على ذاتها وتتجاوزها هذه هي الرومانسية الأوروبية الأخرى.‏

الحركات الطليعية‏

ينتقل المؤلف للحديث عن الحركات الطليعية مشيراً إلى أن الطليعية انفصلت عن التراث القريب -الرمزية والمذهب الطبيعي في الأدب والانطباعية في الفن التشكيلي وهذه القطيعة هي استمرار للتراث الذي بدأته الرومانسية والذي كانت فيه الرمزية والمذهب الطبيعي والانطباعية لحظات انقطاع واستمرارية في الوقت نفسه ولكن شيئاً ما ميز الحركات الطليعية عن الحركات الأولى عنف المواقف والبرامج وجذرية الأعمال.‏

عبرت الطليعية عن غضب ومبالغة جميع الاتجاهات التي سبقتها ووضع العنف والتطرف الفنان على الفور وجهاً لوجه مع حدود فنه أو موهبته استكشف بيكاسو وبراك إمكانيات التكعيبية واستنفداها في غضون بضع سنوات وترك باوند بعد بضع سنوات أخرى التصويرية وانتقل تشيريكو من الفن التشكيلي الميتافيز يقي إلى الكليشة الأكاديمية بالسرعة نفسها التي انتقل بها غارسيا لوركا من الشعر التقليدي إلى الغونغورية الباروكية الجديدة ومن هذه إلى السريالية.‏

شقت الطليعية طرقاً جديدة تحرك الشعراء والفنانون عليها بسرعة وهكذا بمجاورة لغياب الزمن وصلوا إلى النهاية وارتطموا بحائط كان العلاج الوحيد انتهاكاً جديداً، افتح ثغرة في الحائط اقفز فوق الهاوية وتبع كله انتهاك عائق جديد وكل عائق قفزة أخرى وكانت الطليعية المعتقلة دائماً بين طرفي توتر جمالية التحول التي استهلتها الرومانسية.‏

الكتاب: أطفال المستنقع الشعر الحديث من الرومانسية إلى الطليعية.- المؤلف: أوكتافيو باث - المترجم: أسامة اسبر - الناشر: دار التكوين- دمشق‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية