تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فن الحكاية على الشاشة .. ذاكرة الأداء الساحر

فنون
الأربعاء 14-3-2012
هفاف ميهوب

إنه فن القول .. فن الحكاية التي لا يجيدُ سردها إلا المتمكِّن في قدرته على استيعاب ما فيها من تفاصيل تُبهرُ أكبر عدد ممكن من عشاق الملاحم والقصص والسير الشعبية ، هو أيضاً, ذاكرة بيئةٍ, وحدهُ الفنان الذي عاشها ليجسِّدها,

من بإمكانه أن يخطف انتباه وذهول متابعيهِ, وبهيئته وملابسهِ وحركاته, والأهم طريقة سرده وصولاً إلى جعل المشاهد ينجذب إلى ما يرويه له, وبطريقةٍ هي من جعلت هذا الفن من أشدِّ الفنون قدرة على نشر حكايا فيها الكثير من المتعة والجاذبية .‏

كل هذا, كان يحصل قديماً حيث الحميمية التي جمعت بين الحكواتي وجمهوره, هي السبب في اعتباره أحد العناصر المهمة في أي عملٍ يجسِّد البيئة الشامية والتاريخية لكن, قبل أن تنتشر قنوات الدراما ويتطور فن القول بتطوّر الحياة التي حتماً لم يعد يوافقها أن تُروى على ألسنة الحكواتية..‏

أما أول فنان جسَّد دور الحكواتي على الشاشة , فهو تيسير السعدي (شيخ الفنانين السوريين) الذي تقمَّص دور الحكواتي عن ظهرِ اجتهادٍ مثلما جعل أدواره استثنائية, أيضاً رسَّخ صورته في أذهاننا حكواتي الدراما السورية. الدراما التي أول ما عكستْ الحياة في دمشق, وبكلِّ ما فيها من حاراتٍ وشوارع وأسواق وحمامات ومقاهٍ ألهمت موهبة (السعدي) أن يروي ما كان متداولاً فيها وباللهجة التي عشقها وافتخر بها. اللهجة الشامية.‏

نعم.. هكذا هي صورة حكواتي الفن في أذهاننا. صورة الفنان تيسير السعدي الذي لم يوفَّق سواه في إقناعنا بدورٍ استلزم منه, ارتداء ملابس الحكواتي والجلوس على كرسي مخصص ضمن أحد مقاهي دمشق, ومن أجل أن يسرد على جمهور واسعٍ ممن أتوا خصِّيصاً للاستمتاع بما سيرويه, أروع الملاحم والسير الشعبية .. يبدأ بالنظرِ إلى جمهوره من فوق نظارته التي يخفضها قليلاً ليتفقَّد الوجوه التي اعتاد رؤيتها, ليقوم بعدها بإلقاءِ التحية ومن ثمَّ بمباشرة الحكاية التي يبدأها بقول: (كان يا ما كان, يا سادة يا كرام) . وبعدها يبدأ السرد وإلى أن يتفاقم الحدث بتفاقمِ نبرته المؤثرة بجمهورٍ سرعان ما ينفعل مشاركاً, ما يدفع الراوي إلى التصعيد أكثر وهكذا إلى أن يصل إلى قمة التشويق حيث يتوقف عن متابعةِ السيرة, واعداً جمهوره بمتابعتها في اليوم التالي..‏

هكذا تابعنا تيسير السعدي في الدراما السورية وبدورِ الحكواتي. الدور ذاته الذي حاول بعض الفنانين تجسيده لكنهم عجزوا عن إزاحة صورته من ذاكراتنا مثلما من ذاكرة الفن. تلك الذاكرة التي تتأهب لعناقِ حكواتي آخر هو فنان الشعب رفيق سبيعي الذي لا يقل حكمة وموهبة وولعاً بالفن عن سابقهِ, والذي لا يزال بانتظار تحويل برنامجه الإذاعي (حكواتي الفن) إلى عملٍ تلفزيوني. علَّ في تقديم هكذا عمل ما يؤكِّد بأن التطور الذي خطف بريق الحكاية أبداً لن يخطف وجودها من ذاكرةِ تراثٍ كان دائماً الأجمل والأكثر تشويقاً .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية