بما فيها من جوانب مختلفة تعبر عن تناقضات كثيرة مر بها هذا الشاعر الملهم كان نتاجها كثيرا من المديح والهجاء والوصف وسوى ذلك من مواضيع شعرية مهمة.
ويوضح الكاتب وهب انه يصعب الفصل بين رحلة المتنبي وسيرته فهو جواب آفاق عاش معظم سنوات عمره متنقلا من بلد إلى آخر متخذا من ظهور المطايا مقاما ومن رحالها أرضاً وكثيراً ما يتجشم السفر ويطوي المناهل والمراحل ليحقق طموحا أو ليبحث عن أمل في مضارب الأرض.
ويتابع الباحث إن المتنبي ظل يلاقي المتاعب منذ خروجه من العراق إلى بلاد الشام وتطوافه في أرجائها حتى لقي سيف الدولة فبسم له الحظ وأكرمه وأغدق عليه فكان يعطيه ثلاثة آلاف دينار كل عام بالإضافة إلى ما كان يمنحه من عطايا وهبات نفيسة. وفي دراسة عن الكتاب نشرتها سانا قالت:
يبين وهب أن حساد المتنبي من الشعراء وسواهم نقموا عليه فبيتوا له المكائد وناصبوه العداء حتى فرقوا بينه وبين سيف الدولة فقصد مصر لعله يتمكن من تحقيق ما تصبو اليه نفسه في كنف كافور الذي دعاه اليها مرتين وهو في دمشق ولما ذهب إليه أنزله داراً فخمة ووكل به الخدم وأغدق عليه المال ظنا منه ان ذلك يكفيه.
ويوضح وهب أن أبا الطيب المتنبي لم يكن طامعاً بالمال فحسب وإنما كانت تتوق نفسه إلى الولاية وهو ما أخاف كافور فماطله حيناً ثم منعه من الرحيل خوفا من لسانه وهو ما حمله على مغادرة الفسطاط إلى الكوفة دون أن يودع كافورا.
وفي الكتاب أن المتنبي توجه إلى بغداد فلم يطب له المقام فقصد أرجان بدعوة من ابن العميد ثم زار عضد الدولة بشيراز حيث لقي في كنفهما ما لم يحلم به شاعر في زمانه لكن ذلك لم ينسه غدر الزمان الذي اضطره إلى مدح هؤلاء الملوك وهو على يقين بأنه الاجدر بالسيادة والمجد لأنه في نظر نفسه خير من تسعى به قدم.
ويتضمن الكتاب أن المتنبي دون رحلة عمره شعراً ضمنه ما كان يعتمل في نفسه من هموم ومشاغل وما عاينه من أحداث ومشاهد لكنه لم يستوف ما يمكن أن تلحظه عين الرحالة من أحوال البلدان وخصائصها وما يتصف به ناسها من أخلاق ومآثر وعادات ومعتقدات إلى غير ذلك من الانطباعات التي تستأثر باهتمام الرحالين.
ويكشف الكاتب صور الأمكنة التي ألم بها المتنبي أو أقام فيها معتمداً في تحديدها ووصفها على ما ورد في كتب المسالك والممالك وفي كتب البلدان العائدة إلى زمن المتنبي موثقا ذلك بما كتبه من أشعار محاولاً أن يجمع بين الجغرافيا والشعر.
ويظهر وهب أن المتنبي كان واسع الخيال يصنع من الحالة التي تصادفه إبداعاً وصوراً لم يأت بمثلها قبله وبذلك جاءت قصائده ملأى بالجماليات الأخاذة لأنه أضاف على جمال الطبيعة كثيراً من موهبته التي أدخلته التاريخ.
وفي الكتاب تظهر مدائح المتنبي في مقدمة أشعاره رغم ما يمتلكه من أنفة فأوصلته طموحاته إلى السقوط في متاهات المديح التي لا تليق بشاعر كبير مثل المتنبي رغم أن هذه المدائح على درجة فنية عالية كقوله في سيف الدولة:
بسيف الدولة الوضاء تمسي جفوني تحت شمس لا تغيب
فأغزو من غزا وبه اقتداري وأرمي من رمى وبه أصيب
وتبدو ضغائن كافور واضحة في كثير من أشعاره كما ورد في الكتاب شأنه في ذلك شأن الشعراء الآخرين فكان لكافور نصيب جارح حيث هجاه بأقذع ما يمكن أن يكون الهجاء كما في قوله:
فإني أستريح بذي وهذا وأتعب بالإناخة والمقام
ولا أمسي لأهل البخل ضيفاً وليس قرى سوى مخ النعام
أما عن مقتل المتنبي ورد في الكتاب أن صديقه أبا نصر أشار عليه أن يكون معه جماعة يتولون حراسته تلافياً لخطر فاتك الأسدي الذي يترقب قدومه انتقاماً لشرف أخته وابنها بعد أن تعرضا لهجاء المتنبي وأن فاتكاً يعرف بسفكه للدماء حيث علم بمجيء المتنبي من بلاد فارس إلى العراق فانتظره في طريق العودة وتربص به وقتله.
يذكر أن الكتاب من منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب يقع في 375 صفحة من القطع الكبير.