واحترقت بنيران الغلاء أو أنّ معيلها قد ضاقت به الدنيا تحت وطأة العوز وعجز تلبية متطلبات أفرادها وحارت بين تلبية أبسط مطالب أبنائها من ناحية الملبس ومصاريف المدرسة وإدخال السرور إلى قلوبهم الصغيرة عبر شراء أبسط احتياجاتهم أو حتى حصولهم على بعض الترفيه وعليه وقعت الأسرة في دوّامة لا تنتهي يحرقها لظى نار ارتفاع الأسعار مع محدودية الدخل لكثير من الأسر.
فهل أثّر الغلاء في عادات الأسرة السورية الشرائية واستقرارها الاقتصادي وخاصةً في ظلّ ما تعيشه البلاد وما تشهده من أزمات اقتصادية واجتماعية بعد أن فقد الكثيرون وظائفهم ،كل ذلك ترافق مع غلاء الأسعار بشكل كبير دون وجود ضوابط أو رقابة حقيقية على عمل تلك الأسواق، والسبب في كلّ ذلك معلّق على شمّاعة الأزمة .
عمل غير مستقر ..
تشتكي نور من عمل زوجها غير المستقرّ الذي يزيد نيران الغلاء في ظلّ الأزمة التي تمر بها البلاد، التهاباً عليها وعلى أسرتها حيث تقول: لا يستقرّ زوجي في عمل محدد لكونه حرفياً يتنقّل من ورشة إلى أخرى وعندنا أربعة أطفال منهم ابنتان بلغتا سنّ الزواج، وذلك يصيبني بالقلق والتوتر لأنّ زوجي لا يبالي بالتزامات البيت، ما يبقيني متوتّرة ومهمومة دائماً، ولاهثةً وراء تدبير نفقات البيت، وتجهيز البنتين ومصروفات الولدين في المدرسة ما عكس ذلك علينا وأصبحنا نتشاجر دوماً ، وأحياناً تتدخّل أمي عبر تغطية تقصير زوجي بما يفيض معها .
تزايد الخلافات ..
يعلق الخبير الاجتماعي والتربوي عمار صالح على واقع الأسر في ظلّ ارتفاع الأسعار والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد قائلاً: طال الغلاء جميع الناس كباراً وصغاراً , أغنياءً وفقراءً بسبب انخفاض قيمة العملة وثبات الأجر وعدم تناسب زيادته مع ارتفاع الأسعار، ما يعني أنّ الأسرة التي كانت تعيش ضمن مستوى معيّن، ستحذف أغلب بنود إنفاقها الكمالية، كالتنزه، وتسجيل الأولاد في دورات تعليمية وغيرها بغية توفير الضرورات، التي غالباً ماتخضع للمراجعة وإعادة الترتيب من حيث الأهم فالأهم، ما يعني انخفاض معيشة الأسرة، وتقليل مصروف الأبناء، أو حتى حذفه نهائياً، وزيادة الأعباء المفروضة على الوالدين والتي تضغط عليهم، وتنعكس سلباً على جميع أفراد الأسرة؛ فالأب قد يبحث عن عمل آخر قد لايتناسب مع وضعه ومنهم من يسافر إلى بلد آخر لزيادة دخله وتعديل أوضاع أسرته المعيشية، والأم قد تضطر إلى العمل فترتبك الأسرة، كلّ هذا في ظلّ الأوضاع غير المستقرة التي تعيشها أغلب المناطق، والتي قد تدفع إلى المزيد من اليأس والاكتئاب وعدم الشعور بالأمان والخوف، الأمر الذي ينعكس على حال الأسر فتزداد الخلافات لتصبح حياتهم أصعب .
تدبير الأمور ضمن الموجود ..
الخلافات الأسرية طالت أغلب الأسر، حتى ميسوري الحال إلى حدّ ما، ولم تنج من تفاقم المشكلات فيما بينها، ولم تسلم أسرة لما من حمى ارتفاع الأسعار، رغم أنّ زوجها تاجر، وباتت عاجزة عن مواجهتها، إلا ضمن حدود الممكن الذي تقول عنه: بعدما كنت أشتري احتياجات البيت شهرياً فإني في ظلّ هذا الغلاء الذي طال القوت الضروري والاحتياجات الضرورية للأسرة، صرت أذهب إلى البقال وأقف حائرة ماذا أشتري وبكم وبعد هذه الحيرة أغيّر أولوياتي وأستغني عن أشياء كثيرة، كنت قد اعتدت شراءها كلّ شهر ومن ثمّ أطالب زوجي بزيادة المصروف، وأحياناً يستجيب، وفي أخرى يطنش، ثم يجيب لا فائض عندي وعليك تدبير أمورك بنفسك ضمن حدود المبلغ الموجود بين يديك، وذلك الردّ غالباً ما يسبّب شجارات داخل المنزل، والانفعال لأبسط الأسباب وتتعكّر علاقتنا الزوجية، وأولادي كلّما طلبوا شيئاً فتحت معهم تحقيقاً: لماذا وبكم وهل هذا الشيء ضروري، أم يمكن الاستغناء عنه؟ بغرض التوفير ومن أجل توفير حتى أبسط الأشياء في ظلّ ما تمرّ به البلاد من أزمات متلاحقة .
بين الأسرة والدولة
يقترح عدنان عبد الله خبير في علم الاقتصاد ضرورة تكاتف جهود الدولة والأفراد بغية اجتياز أزمة الغلاء الراهنة، وذلك من أجل تجاوز الأزمة الكبيرة التي يعيشها الأفراد، لذا من الضروري تقسيم الأدوار على كلّ أطراف المجتمع انطلاقاً من كل فرد من الأسرة الى الجهات المسؤولة عن مراقبة الأسعار وتحديدها، ويضيف إن على الحكومة إعادة النظر مرحلياً في أجور العاملين، والموظفين وفق تغيرات الأسعار حفاظاً على مستوى معيشة لائق، وعلى مستوى الأسرة يعدّ حلّ معادلة الغلاء والمعيشة صعباً مالم تدعمه الجهود، إضافة إلى زيادة دخل الأسرة، عبر تشجيع مشروعاتها الإنتاجية والاشتراك في المشاريع الصغيرة التي تموّلها الدولة بقروض ميسّرة، كما تستطيع الأسرة وضع خطة صرف شهرية أو أسبوعية إلى جانب ذكاء ربة المنزل في إدارة المنزل وتقسيم بنود الصرف حسب أولوياتها .
نصيحة أبوية
يواجه جهاد الأحوال الاقتصادية المتردية التي تعيشها البلاد بنصائح أبويه وكيفية إدارتهما دفّة منزلهما قائلاً: أصبح الغلاء شبحاً يهدّد كلّ بيت، وناراً تلتهم أي ميزانية، لكني أدبر منزلي بحكمة أبي وأمي، اللذين ربياني على القناعة والرضا بالقليل، وشكراً لله على كلّ حال، وكلّما ضاقت الظروف، تذكّرت نصيحة والدي «على قدّ لحافك مد رجليك»، فأعود إلى حالة الرضا والتدبير حسب المتاح، وتعزية نفسي بالقول: لست وحدي في هذه الورطة؛ لأنها «كاس على أغلب الناس»، ومن الضروري أن يسعى كلّ فرد خلال الأزمة إلى أن يدرس خياراته الاقتصادية، ويحسب ألف حساب للضائقة المادية التي نعيشها جميعاً.
غلاء يقاسم لقمة العيش ..
فيما وقعت رشا موظفة و وربة منزل في أزمة نفسية حيال ماتعانيه أسرتها نتيجة الغلاء الذي يقاسمها لقمة العيش، متسائلة ماذا أفعل في ظلّ الظروف الحالية، ولديّ ثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة وزوجي موظف بسيط ليس له دخل سوى وظيفته، وأنا بالكاد يكفي راتبي لمصاريف مدارس أولادي وهو ما يشتّت تفكيري كلّ شهر، حتى إنني أضطر أن أقسم الطبخة لعدة أيام لنستطيع إكمال الشهر دون الحاجة الى الاستدانة من البقالة فالديون أصبحت كثيرة رغم عملي أنا وزوجي، فمصروف الأولاد كبير ونحن نعمل من أجلهم ورغم هذا لقد استغنينا عن كثير من حاجياتنا اليومية بأشياء أهم .
التعود شرط لا بد منه
بدوره يشير عدنان الخبير الاقتصادي إلى أن الاعتياد على الأزمة وتدبير أمور المنزل من الموجود أو محاولة عدم شراء الحاجيات الغالية والشراء من أماكن الجملة يعد أهمّ طرق مواجهة الغلاء ويجب على الجميع المشاركة في تحمل المسؤوليات، تخفيفاً للضغط والعبء النفسي والاقتصادي الذي يعيشه أغلب السوريين لذا من الضروري الاعتياد على هذه الحالة، والتأقلم معها، وذلك من أجل إيجاد حلول أكثر ملاءمة وأقلّ ضرراً، الأمر الذي يحتّم وجوب وجود التقبل النفسي والمعنوي والاجتماعي لهذه الحالة الجديدة والعمل على تحسينها وتطويرها إيجاباً بما يحسّن معيشة الأسرة .
أثبتت الأسرة السورية بعد سنتين من الأزمة أنها متماسكة ومرنة وتستطيع التأقلم مع كل ما تمر به من ظروف، فأصبح كل فرد يعرف كيف يكون مدبراً ويساهم في بقائها صامدة وتعلمت أن ترشيد الاستهلاك لا يجب أن يكون خلال الأزمات فقط فهو حاجة ملحة تساهم بتوازن وعيش الأسرة عيشاً كريماً .