باختصار، هناك ما نتمناه أن يكون وهناك ما هو كائن، وبين الأمرين تداخلٌ مستمرٌ، ولكلّ أمر منهما مقوماته ومبرراته.
الحالة المثالية، على سبيل المثال أن تكون الأسرة متحابة ومتعاونة وملتقية على قلب واحد، وهي هكذا في مطارح كثيرة لكن هذا لا ينفي وجود ما هو عكس ذلك.
والحالة المثالية على سبيل المثال أيضاً أن يعطي المعلّم تلاميذه من كلّ قلبه ويتعب عليهم، ولكن الواقع يقول إن قسماً من المدرّسين يتعمّد التقصير مع طلابه من أجل أن يحظى عندهم ببعض الدروس الخصوصية.
والحالة المثالية أن يبرّ الأبناء بأهلهم فلا يقولون لهم «أفٍ» ولكن كم من كبار السنّ شكوا لنا عقوق أبنائهم وتقصيرهم معهم.
لنفتح قلوبنا على مصراعيها فكثير من الحبّ يتلاطم فيها ولكن في معظم الأحيان لا نجيد تأنيق هذا الحبّ وتقديمه بالصورة المثلى، فقد يضرب الأب ابنه المراهق تحت ذريعة أنه يعمل ذلك من أجل مصلحته وقد كان بإمكانه أن يفعل ذلك بالوعظ وبطرق أكثر هدوءاً ونجاعةً.
ثمة أمور لا يمكن لأي قوة أن تفرضها مهما كانت هذه القوة كبيرة ومهما كان موضع الفرض ضعيفاً، وقد لفت انتباهي إصرار طفل في عامه الأول على إلقاء زجاجة مياه صغيرة من شرفة منزل أهله رغم محاولات قمعه من قبل أبيه، فراح هذا الطفل يغافل أباه مرة تلو الأخرى، وعندما يئس أبوه وتركه يلقي الزجاجة دون أن يكترث به لم يكرر الطفل فعلته واستكان لهدوئه وكفى الله المؤمنين شرّ القتال.
أعجبتني المناظرة التلفزيونية بين الدكتور علي حيدر وزير المصالحة الوطنية والدكتور هيثم مناع رئيس هيئة التنسيق المعارضة في الخارج على شاشة قناة المنار اللبنانية يوم الإثنين الأول من نيسان الحالي، والتحية هنا موصولة للسيدين حيدر ومناع، فقد رفرفت تلك المناظرة بجناحي الوطن والوطنية وكلٌّ من حيث يقف لكن دون إقصاء للطرف الآخر أو إلغاء له، هناك أمور نختلف بتقديرها ونختلف على كيفية حلها لكننا متفقون على أن وجودها مشكلة وأنها بحاجة لحلّ وهذا بداية لقاء اشتقنا له وحان أوانه.
في كل ما تقدّم يمكن أن نجد أنفسنا، فنحن أسرة سورية كبيرة عرفناها أسرة متماسكة ومتحابة، وعرفناها تقيم لصلة الرحم كل القيمة التي تستحقها، وعرفنا سورية حضناً دافئاً للجميع.
ثمة اتهامات كبيرة توجه لبلدنا وبعضها يأتي من أبناء البلد ومن واجب الدولة أن تنفيها وتدحضها إن لم تكن صحيحة بشكل متواز مع تصحيح مسار بعض العلاقات التي اعوّجت لسبب أو لآخر، والأمر الملحّ في هذه الأيام أن نعيد تقوية الحالة الاجتماعية التي شكك بها البعض أو حاول إضعافها البعض الآخر، ولنتذكّر أنه إذا يبست شجرة واحدة في مكان ما فقد يُلفح مئة شخص اعتادوا الجلوس بظلّها عند اشتداد الحرّ!
قد يكون ارتفاع أسعار المواد التموينية أهون بكثير من حالة التهجير التي تعرّض لها قسم كبير من أهلنا في محافظات عدة، لكن الحديث عن التهجير وعن التدمير لا يعني قبولنا بغلاء الأسعار ووفق هذه النظرة نقيس الأمور ونأخذ بها.