تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الضغوط .. حلقة في مخطط (الشرق الأوسط الكبير)!

دراسات
الثلاثاء 8/11/2005م
تيسير درويش

في عالم يصغر باستمرار بفضل الاتصالات الفورية والقنوات الفضائية, لم يعد سراً, ولا هو خافٍ على أبسط الناس فهماً في السياسة,

أن ما يدور من أحداث في منطقتنا ليس إلا هو مقدمات لنهج استعماري حديث, وأن سايكس بيكو جديدة تنتظر منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص والدول العربية والإسلامية عامة.‏

ولكن هذه المرة بحلة جديدة, ظاهرها (السعي لنشر الديمقراطية بضغوط القوة المسلحة), وباطنها التقسيم العرقي والطائفي (الديني والمذهبي) وخلق الفتن بهدف إشعال حروب أهلية واقليمية مدمرة, على حساب النمو والأمن الاقتصادي لمواطني بلدان هذه المنطقة.‏

تلك هي الرسومات التي بدأ العمل بها, إثر انهيار الاتحاد السوفيتيي وانتهاء الحرب الباردة, بهدف ضمان أمن إسرائيل أولاً والسيطرة على مقدرات المنطقة وثرواتها, والأهم من ذلك كله الاستحواذ على نفطها.‏

بعد اختلال توازن القوى على المسرح الدولي, على خلفية تفكك المعسكر الاشتراكي ظهرت إلى السطح قضايا مغرقة في القدم مثل الصراعات الطائفية, (وعودة النزاعات التقليدية بين الدول).‏

وهذه الأخيرة جاءت تحت الزعم القائل بصدام الحضارات, وهو ما يمثل في حقيقة طرحه, الإطار المفاهيمي لسياسة (الاحتواء المزدوج) التي تنتهجها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط العربي/ الاسلامي منذ حرب الخليج الثانية.‏

ولو لم يكن له هذه الوظيفة الاستراتيجية في مواجهة ما سمي بالاسلام السياسي, لما تبنته مجلة (فورين افيرز) الأميركية النافذة في واشنطن على هذا النحو الذي أثار مناظرة واسعة تعدت أصداؤها حدود الولايات المتحدة, وأعطيت فيها لكاتب المقال (هانتنغتون) الكلمة الأخيرة.‏

فأصبحنا نرى نظاماً عالمياً جديداً يغذي هذه الصراعات ويعمل على استفحال محرضاتها, نظام عالمي جديد بقيادة الولايات المتحدة الأميركية يتمنطق بالقوة وأسلحة الدمار, لتمرير سياساته, ترعاه مجموعات أميركية حاقدة ومتعصبة.‏

لقد تقوضت شرعية ذلك النظام وانخفضت شعبية ربابنته خلال الحرب على افغانستان والفترة التي تلتها, حتى وصلت إلى الحضيض قبل وبعد الحرب على العراق.‏

فالتحولات السلبية في سياسات هذه الإدارة تجاه بعض الدول في المنطقة خلال السنوات التي تلت غزو العراق نتجت عن حرب فاشلة ومكلفة, وخسائر بمليارات الدولارات, وتراجع واضح لا يمكن وقفه على المدى القصير في الإنتاجية الاقتصادية الأميركية.‏

غير أن الدافع الحقيقي لحروب بوش السياسية والعسكرية في المناطق العربية والاسلامية يكمن في تنفيذ سيناريوهات معدة بإتقان, تتبناها مجموعات متطرفة متحالفة مع اللوبي الصهيوني وشارون والمتطرفين الإسرائيليين.‏

فمنذ وصول بوش الابن إلى سدة البيت الأبيض, لم تنفك مجموعات من المنظرين في صفوف المحافظين الجدد ذوي النفوذ, ولها تأثير قوي في الإدارة الأميركية وقريبة من قوى اللوبي الصهيوني تمطر الإدارة بمشاريع تحليل واستقراء للواقع في منطقة الشرق الأوسط, إلى أن انتهت إلى استنتاجات بالغة الخطورة.‏

حيث يرى هؤلاء أن مستقبل إسرائىل وأمنها ليسا مضمونين في إطار التكوين والتركيب الحاليين للشرق الأوسط ودوله مهما بلغ تفوقها العسكري.‏

من هنا يجد هؤلاء أن الطريق الوحيد لضمان أمن إسرائيل مستقبلاً هو إعادة تركيب الشرق الأوسط عبر حروب أهلية طويلة تخلف وراءها أحقاداً ونزاعات, تمنع لأمد طويل وحدتها أو اتفاقها.‏

ويرون أن تركيب المنطقة الحالي, البشري يسمح بإثارة هذه النزاعات وتحويلها إلى حروب أهلية تستنزفها, وأن منع نمو أو قيام مجتمع أو أكثر ذي طاقة بشرية عددية أو نوعية هو السبيل الوحيد لضمان أمن (إسرائيل المستقبل) وأمن المصالح الأميركية.‏

ويعطي هؤلاء أمثلة محدودة, فيقترحون إعادة تركيب خمس من دول المنطقة في المرحلة الأولى, ثلاث منها شرق أوسطية (العراق, سورية, لبنان) ورابعة خليجية (السعودية) وخامسة افريقية (السودان).‏

ويقدم برنامجاً معقداً لتحريك النزاعات أساسه ديني أو قومي أو مذهبي, وهو يقول إن أكثر هذه النزاعات في المستقبل قدرة على تقسيم المنطقة هو إشعال الصراع ما بين السنة والشيعة في منطقة الشرق العربي وامتداداً منها إلى إيران وافغانستان وباكستان مع تأثيراتها في محيطها الاسلامي الأوسع.‏

وحين يدخل هؤلاء المحافظون الجدد في تفاصيل مشروعهم, وتفصيل المنطقة يصورون دراستهم بأنها تفترض أن لا وحدة وطنية تجمع أي دولة, وأن شعوب هذه الدول تعيش حالة من التقسيم لا ينقصه سوى عود الثقاب الإسرائيلي ليشتعل.‏

ويقولون أيضاً إن ملازمة البحث في هذا الموضوع, والتركيز المستمر عليه سوف يقود إلى تثبيت فكرته وتبنيها.. كما يؤكدون أن بقاء وحدات العالم العربي الحالية سوف يشجع مستقبلاً على إعادة فكرة وحدتها القومية, وطرح مشروعاتها التي لا تتفق مع المصالح الغربية عموماً وتتناقض مع مصالح إسرائيل بوجه خاص.‏

فما حصل ويحصل اليوم هو تنفيذ حرفي لأفكار غلاة التطرف, الذين يفرضون على الإدارة الأميركية ما يرون أنه فرصة ذهبية لاستثمار الظروف المواتية التي تهيأت (دولياً واقليمياً) لتحقيق الأماني الصهيونية.‏

فالعراق احتلت أرضه, ودمرت امكانياته, وسلبت ثرواته والسودان وضع هدفاً للتقسيم, وما زال يتعرض للضغط والابتزاز في موضوع دارفور, ولبنان أصبح محكوماً من السفارتين الأميركية والفرنسية, وما يضمر لهذا البلد الشقيق أعظم.‏

وهاهي إيران وسورية تتعرضان (وفق سيناريو المتطرفين) للضغط والابتزاز أيضاً, حيث التحريض الإسرائيلي لا يهدأ باتجاه دفع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لثني طهران وتخليها عن فكرة بناء مفاعل نووي سلمي.‏

وقد استنفرت (تل أبيب) العالم ضد إيران لحرمانها من هذا الحق المدني الذي يتمتع به جميع مواطني بلدان من يطالبونها التخلي عنه, في الوقت الذي (يطنشون) فيه على الترسانة النووية الإسرائيلية المعدة للاستخدام العسكري المدمر.‏

وتبقى العقبة الحقيقية في وجه إسرائيل ومخططاتها هي سورية, فكيف العمل لإبعادها عن الاصلاح والتطور والنمو, وعن فك اللحمة وتلازم المسارين مع الشقيقة لبنان ليسهل الانفراد بالأخيرة واختراقها?‏

لم يطل التفكير, فقد اختاروا الرئيس الحريري ليكون الضحية الجديدة لإرهابهم المعهود, وهم المعروف عنهم وعن موسادهم تنفيذ مثل هذه العمليات الاغتيالية الجبانة والأمثلة كثيرة على ذلك في كل مكان من العالم وعلى المسرح اللبناني ذاته.‏

تلك هي خيوط اللعبة التي تشكل نسيج المخطط الأميركي الصهيوني, فلا غرابة بعدئذ أن تستمر الضغوطات والتهديدات والتحذيرات والألاعيب, واستخدام مجلس الأمن كغطاء على خلفية تقرير ميليس.‏

لطالما بقيت دمشق حجر عثرة في وجه المخطط الاستعماري الجديد, الذي يعمل رعاته في السر والعلن على ترتيب أوضاع المنطقة حتى تصبح بمشكلاتها وهمومها وتداعياتها, في القبضة الأميركية الإسرائيلية, بعد وضع جدول الأعمال الاقليمي الخاص برسم ملامح (الشرق الأوسط الكبير) الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية, وتدمير المصالح العربية والقومية, وتحويل الأمة إلى كيانات ممزقة, وجرها إلى مستنقع التطبيع.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية