وإذا توقفنا أمام التوقيت نجد أن هذه الجماعات التي تتخذ من الدين غطاء لها في كل مرة تحركت فيها كانت هناك مواجهة أو معركة بين سورية والولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة حول الموقف من القضايا الوطنية والقومية الذي تتبناه القيادة في سورية والذي يجعلها في تصادم دائم ومستمر مع المشروع الأميركي في الوطن العربي.
ففي المرة الأولى التي أقدمت فيها مايسمى الجماعات الإسلامية المتطرفة على تنفيذ أعمال العنف والاغتيال داخل سورية، ومحاولة تنظيم تمرد مسلح كانت قبل وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة التي أخرجت مصر من الصراع مع العدو الصهيوني، ورفضها بشدة الرئيس حافظ الأسد ومعه القيادة السورية مادفع أنور السادات إلى التبشير بأن الدماء ستسيل في سورية ولبنان وهو ماحصل بالفعل.
أما في المرة الثانية فقد كانت في عام 2005 إثر صدور القرار 1559 واغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري حيث رفضت سورية الضغوط الأميركية لنزع سلاح المقاومة وتغيير سلوكها السياسي الذي يتمثل بتمسكها بدعم المقاومة ضد الاحتلال ورفض التفريط بثوابتها الوطنية والقومية، وكان التحالف واضحاً ومكشوفاً بين هذه الجماعات المتطرفة ممثلة بماسمي فتح الإسلام وبعض التيارات السلفية وفريق 14 آذار في لبنان وتنفيذ التفجيرات في سورية.
واليوم يأتي تحرك هذه الجماعات المتطرفة في توقيت تسعى فيه واشنطن إلى إشغال سورية عن التفاعل مع ماحصل من تحركات واحتجاجات شعبية ضد أنظمة الحكم العربية الموالية لأميركا بمايعزز خط وموقف سورية الوطني والقومي المقاوم ويعيد استنهاض الموقف العربي الداعم للقضية الفلسطينية والمدافع عن الأمن القومي العربي وحقوق الأمة وثوابتها في مواجهة المشاريع والمخططات الأميركية- الصهيونية.
وكذلك سعي واشنطن إلى استغلال التحركات والاحتجاجات لإفراغها من أي مضمون تحرري، ومحاولة توظيفها في مصلحة إعادة تجديد الطاقم الأميركي للحكم والعمل على النيل من الموقف القومي لسورية، واستطراداً إخراج المشروع الأميركي من مأزقه الذي يعاني منه نتيجة الفشل في حروب أميركا في المنطقة ومايعزز الشبهة باختيار هذه المواقيت لتحركات الجماعات الدينية المتطرفة للقيام بأعمال العنف وإثارة الفوضى عدم وجود أي برنامج وطني لديها أو أي تاريخ مشرف في مقاومة الاحتلال أو دعم المقاومة أورفض اتفاقات الخيانة مع العدو الصهيوني أورفض التبعية لأميركا ومشاريعها للسيطرة والهيمنة على الوطن العربي.
بل على النقيض من ذلك، مابرحوا يبرهنون على لاشرعيتهم بسورية وشعب سورية ويبرهون على تعطشهم للسلطة واستعدادهم لفعل كل ماهو ممكن وغير ممكن ولو بالفتنة والقتل ولو بتسليم أمر سورية وفلسطين لإسرائيل ولوعلى حساب حياة وأرواح الشعب السوري، ولو أن الأطلسي سوف يقوم بقتل الآلاف من السوريين بتدخله في الأزمة السورية التي شاركوا هم في صياغتها وتشكيلها في شكلها الراهن.
إنهم يريدون تدخلاً عسكرياً أطلسياً، لأن تركيا دولة أطلسية، ولأن من السذاجة أن يفترض المرء أن الحلف الأطلسي لن يستغل الفرصة الذهبية بتدخل تركيا ليجهز على سورية والشعب السوري عماد مشروع المقاومة لإسرائيل وأميركا في منطقتنا، فلو قبلنا تجاوزاً بسطحيتهم السياسية والأدق (عمالتهم) فكيف يقبلون إعطاء الأطلسي الفرصة لضرب الشعب السوري بصواريخه التي لن تميز سورياً عن سوري آخر، بل سوف يستغلون الفرصة ليعودوا بالشعب السوري عقوداً إلى الوراء لكي لايفكر السوري بعدها لابفلسطين ولا بالجولان ولابلواء اسكندرون؟ لقد سال لعابهم تجاه السلطة أكثر وأكثر بعد وصول أقرانهم في ليبيا إلى السلطة هناك، ويبرهنون بالدليل تلو الآخر أنهم ليسوا أماً للشعب السوري (كما يزعمون) ولاأبناء لسورية.
والأدهى، أنهم يغازلون الكيان الصهيوني على شاشته، وهم اليوم لاهم فلسطينياً لهم، ولاهم جولانياً، أي إنهم باعوا كل مقدسات الشعب السوري التي تحمل السوريون من أجلها الكثير الكثير من الشهداء، وقسوة الحصارات المتتالية التي ما إن ارتفع منها حصار عنهم أو جزء منا حتى افتعلت المؤامرات لفرض حصارات جديدة عليهم كما فعلت أميركا وأوروبا مؤخراً على وهمٍ منهم أن تجويع السوري سيؤدي به بأن يتخلى عن دولته المقاومة.
إن هذه الجماعات لم تعرف إلا من خلال تحركاتها المشبوهة وشعاراتها التي تحرض على إثارة الفتنة الطائفية والمذهبية، وهي شعارات تعرض الوحدة الوطنية للخطر وكذلك الأمن والاستقرار في البلاد، وتلتقي مع أهداف المشروع الأميركي الصهيوني الشرق أوسطي، الذي يسعى إلى تفتيت الدول العربية إلى كيانات طائفية ومذهبية وعرقية تتقاتل فيما بينها لتمكين الكيان الصهيوني من تصفية القضية الفلسطينية، وفرض السيطرة الاستعمارية الأميركية على كل الوطن العربي.