في ذلك اليوم المأساوي تكفلت كبسة زر بمقتل 150.000 شخص دفعة واحدة. وكأن هذا العدد الضخم لم يكن كافياً، أعادت الولايات المتحدة الكرة على ناغازاكي في 9/8/1945 تضاعف عدد الضحايا، أشبع أصحاب القنبلتين شهوة القتل لديهم ولو إلى حين.
يقترن في الذهن اسم اليابان بأمور كثيرة إلا أن المكون الأبرز في الاسم لدي هم أولئك الضحايا الذين استشهدوا في آب 1945.
حين استقر رأيي ربيع 1999 على قبول دعوة وزارة الخارجية اليابانية للقيام بزيارة تلك الدولة الآسيوية التي تملأ بضاعتها أسواقنا وأسواق العالم حددت لنفسي مهمة واحدة هي تغذية الوعي بمأساة هيروشيما وناغازاكي لكي أصعد المطالبة باعتذار أميركي صريح هو عنوان عمل كثيرين من المهتمين ببناء عال أكثر أمناً وسلاماً.
من مذكراتي: الأحد 4/4/1999 مغادرة الفندق إلى هيروشيما ثم مع مدير المتحف، هو مرافقي في الزيارة مع باقة ورد عليها ألوان العلم السوري، حديث عن إسرائيل وحيازتها القنبلة الذرية، كتابة في الدفتر بالعربية. ثم مناقشة حول الاعتذار وحول ما كتب على النصب.
متابعة الاعتذار مهمة أولى إلا أن الزيارة أنتجت مهمة ثانية من طبيعة فلسفية، قبل زيارة هيروشيما لم يكن لدي اطلاع كاف على كل التفاصيل علمت على الأرض ما لم أكن أعلم ثمة نصب متقن في هيروشيما يقول المسؤولون إن مانقش عليه يمثل العبرة التي ينبغي استخلاصها من المأساة، صاحب الكلمات المنقوش شاعر ياباني تضرر من الإشعاع الذري، تقول الكلمات: دعوا جميع الأرواح الموجودة هنا ترقد في سلام حتى لا نكرر هذا الجرم توفي الشاعر الياباني المتضرر من الإشعاع متأثراً به، توفي بعد سنوات قليلة من كتابة الكلمات إلا أن النص الباقي ملتبس، نحن بني آدم لن نكرر هذا الجرم هذا ما قصده الشاعر، هو من بني أدم، هو الضحية، هو يتعهد بألا يكرر جرم التضحية بنفسه لكنه لم يضح بنفسه، لم ينتحر، هم ضحوا به، هم أنحروه من هم منعوه حتى من أن يسميهم ضحوا به وأقنعوه بأن يصمت عن جرمهم بل وأخذوا منه تعهداً بأنه واحد من الذين ارتكبوا الجرم، يا لفظاعة الاغتيال الفلسفي، أناقش مدير المتحف في حكمة الإبقاء على نص الكلمات المنقوشة على النصعب مقتنع هو بما أقول ينبغي تغيير هذه الكلمات، هو في كل حال موظف لدى الحكومة اليابانية ، هي لم تأمر بتغيير النص، أحدد لنفسي مهمة ثانية بعد الاطلاع على تفاصيل المأساة مهمة إنسانية أنتدبني لها مدير المتحف نفسه، علي أنا السوري الزائر، أن أنقل رأي مدير المتحف إلى رؤسائه، أعود إلى عنوان المقال، أدعو رئيس وزراء اليابان لكي يأمر بتغيير الكلمات المنقوشة على النصب، لا يصح أبداً أن نجعل العالم كله شريكاً في جرم أقدم عليه القادة الأميركيون.
ولا بأس من استطراد بسيط وليس بسيط تطلب منظمة الأمم المتحدة من دول العالم كافة الاهتمام بذكرى المحرقة النازية المرتكبة ضد اليهود، وهي التي تعرف بالهولوكوست أو الشواء، على من يقع عبء الاهتمام؟ على دول بريئة؟ نعم! على الدولة الفلسطينية الناشئة؟ نعم!غفر الله لذلك الشاعر الياباني سنة عجيبة استنها، فإذا بها تصبح قانوناً دولياً ناشزاً يارئيس وزراء اليانان أرفض الكلمات المنقوشة على النصب أسألك باسم المثل الإنسانية العليا أن تأمر بتغييرها، كذلك أرفض أن يتشارك الأبرياء من دم اليهود في إثم قتلهم. أدين المحرقة وأدين من قاموا بها. أما يداي فبريئتان من الإثم، وقلبي طاهر، لست بحاجة إلى فعل ندامة. وطوبى لأنقياء القلوب.
في عنوان المقال دعوة إلى رئيس الولايات المتحدة الأميركية، الحائز على جائزة نوبل للسلم، ما المطلوب منه؟ أعرّفه بالمثل الإنسانية العليا وأطلب منه أن يمتثل لها. أذهب، أنت الوريث القانوني للقادة الأميركيين، إلى هيروشيما، استغفر واعتذر، قدم استغفارك واعتذارك للإنسانية، لا لكي تستحق جائزة نوبل للسلام، بل لتستحق إنسانيتك، ولكي تبرهن حقاً على صدقك، أوقف قتل الأبرياء في أفغانستان بطائراتك التي من دون طيارين، أوقف قتلك لمواطنيك من دون محاكمة، ألم يقل لك المسيح لماذا ترى القشة التي في عين أخيك ولا ترى الخشبة التي في عينك؟
إلا أن الخشبة في عيني، وأنا أراها، كان من الممكن لصوتي أن يكون أقوى لولا ما أشهده في وطني، فلاستغفر ولأعتذر من الدماء السورية المسفوكة فوق أرضي، إما بعمل قمت به، قمنا به، أو بعمل لم أقم به، لم نقم به، أرى نفسي شريكاً في الدم السوري البريء المسفوك، هذا ندائي إلى بني وطني من حاملي السلاح: أقيلوا سلاحكم .
أكتب في أواخر تموز استعداداً ليومي 6و 9/8/2012 في الذكرى السابعة والستين لاحتراق إخوان لي من بنى آدم بالذرة وإشعاعاتها ، أسأل الأمم المتحدة إعلان 6 و 9 آب من كل عام، يومين من أيام تهتم بهما دول العالم قاطبة، لا لكي يتشارك كل بني آدم في الجرم ، بل لكي نتعاهد جميعاً ألا يرتكب أحد منا مثله ، لكي نتخلص جميعاً من أسلحة الدمار الشامل، بل من كل أسلحة الدمار، بل من كل وسائل القتل، وليكن على الأرض السلام وفي الناس المسرة .
drjabbour@gonil.c om