الرأسمالية الأميركية أم الأوروبية ؟
نيويورك تايمز ترجمة الأربعاء 13-6-2012 ترجمة : ريما الرفاعي بدأ الجدل الدائر حول المدة التي أمضاها رومني على رأس شركة «باين كابيتال»يتحول إلى نقطة أساسية في الحملة الرئاسية للمرشح الجمهوري وأيضاً للمرشح الديمقراطي اوباما. وربما كان يتوجب على حملة رومني أن تتوقع حدوث هذا الشيء .
وإذا كان كل مننيويت جينجريتش وريك بيري يرغبان في توجيه الانتقاد لرومني، ووصفه بأنه رأسمالي أكثر مما ينبغي في الانتخابات التمهيدية للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، فإن الأمر لم يكن يتطلب الكثير من الخيال لتوقع أن كلاً من أوباما وبايدن سيكونان في غاية السعادة للقيام بالشيء نفسه في الانتخابات العامة.
والواقع انه إذا كان رومني يعتزم خوض حملته بناء على فكرة أنه كان يوفر وظائف في شركة قطاع خاص كان يتولى رئاستها، فإن قواعد اللعب النزيه ستسمح لخصومه أن يطالبوا بالتحقيق في مدى صحة هذا الادعاء. ولا أقصد القول إن هجمات أوباما على رومني نزيهة ودقيقة ومقنعة لأن هذا شيء يجب أن يترك للناخبين وحدهم. ورغم ذلك، أجد نفسي في لحظة اتفاق نادرة مع كاتب العمود الليبرالي إ. جيه. ديون الذي كتب يقول إن هذه الحجة قد تفجر نقاشاً مفيداً حول نوع الرأسمالية التي نريدها. وقد استعار ديون تعبيراً يستخدمه الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا، ويلقى قبولاً واسعاً في كل أنحاء أوروبا، وقد ورد في مقال كتبه مؤخراً. يقول ديون أن هناك حاجة لبناء«سوق اجتماعي» في مواجهة ما أطلق عليه هو«مضادات السوق الاجتماعي». واجتماعي هنا، واحدة من المصطلحات التي تنطوي على مضمون ذي وقع طيب على الآذان، ولكنها تفرض مع ذلك دوراً كبيراً للدولة في حياتنا. وعلى سبيل المثال نجد أن حملة أوباما ركزت خطابها على أن المرأة باعتبارها المستفيدة التقليدية من أي حكومة تقدمية، لا بد وأن تعيش في دولة ذات«سوق اجتماعي»، وهو ما كان يعني ضمناً، أن الدولة لا تؤثر فقط على أجرها، ونظام الرعاية الصحية الذي تخضع له ، وإنما على مهنتها، وأنشطتها الترفيهية، بل على قراراتها المتعلقة بإنجاب الأطفال. والحقيقة أن تطلع ديون لأوروبا ذو دلالة ، وإن لم يكن يدعو للدهشة، باعتبار أن القارة هي موطن دول الرفاه التي تقدم لمواطنيها الرعاية من المهد إلى اللحد، وبالتالي فإنها موطن ذلك النوع من الرأسمالية الذي يتطلع اليه.
والواقع أن الرأسمالية على الطراز الأوروبي تتوافر فيها الكثير من الأشياء التي يمكن الإشادة بها، وخاصة إذا كان لدى المرء وظيفة حكومية بالذات، لأنه سيكون بمقدوره في هذه الحالة أن يعيش حياته كلها قبل أن يحين موعد سداد فاتورة خدمات الرفاه التي غالباً ما تدفعها الأجيال اللاحقة.والملفت أن سوق الولايات المتحدة، وهو لم يكن كله من تصميم وتدبير أوباما، كان يبدو خلال السنوات القليلة الماضية، وكأنه سوق أوروبي إلى حد كبير. صحيح أنه لم يكن عندنا تلك الجماعات من المهددين بالبطالة، الذي يتسكع أفرادها في الشوارع انتظاراً لوفاة موظف حكومي أو تقاعده حتى يحل محله، ولكن من الصحيح أيضاً أننا لسنا بعيدين تماماً عن ذلك النموذج. ونحن نلاحظ في الوقت الراهن أن الموظفين في الولايات المتحدة، لا يريدون التخلي عن وظائفهم لأنهم غير واثقين من أنهم سيتمكنون من العثور على بديل مناسب، فضلا عن ان هناك عدداً قليلاًً من المؤسسات والشركات العاملة في القطاع الخاص الأميركي هي فقط التي باتت راغبة في خلق وظائف جديدة لأنها غير متأكدة ما إذا كان السوق سيتمكن من توطين مثل هذه الوظائف، أي استيعابها وإتاحة الفرصة أمامها للنمو والتطور. وعموما ، فإن الاقتصاد الأميركي يستطيع في الظروف العادية، حسب الإحصائيات الرسمية، خلق عشرات ملايين الوظائف كل عام مع القيام في الوقت نفسه بالقضاء على عشرات الملايين غيرها، ولكن الناتج الإجمالي غالباً ما يصب في مصلحة خلق وظائف جديدة، أي إن النتيجة النهائية غالباً ما تكون إيجابية. وفي الأحوال العادية النموذجية يقوم ما يقرب من 50 مليون أميركي بتغيير وظائفهم دونما صعوبة، استجابة لزيادات في الرواتب أو فرص أفضل للترقية. وهذه الحقائق توضح الأسباب التي تجعل الرأسمالية الأميركية أكثر ديناميكية من مثيلتها في أوروبا. ففي«السوق الاجتماعي»، من المعروف أنك بمجرد حصولك على وظيفة، فإنك تتشبث بها لأنك إذا فقدتها قد لا تجد غيرها. والحكومات الأوروبية كانت تقوم بدورها بجعل عملية التشبث بالوظائف الحالية أكثر يسراً من خلال معاقبة المشاريع والأعمال التي تقيل موظفيها وعمالها. ونتيجة لذلك غالبا ما تصبح تلك المشروعات والأعمال أكثر تردداً في استقطاب موظفين جدد لأنه يرتب عليها التزامات ومسؤوليات طويلة الأمد. لقد قام رومني بالفعل بخلق ثروة من خلال توفير وظائف جديدة عندما يتولى قيادة «باين كابيتال»، ولكنه في المقابل قام بالقضاء على وظائف كانت قائمة. والعمليتان تمثلان أمراً طبيعياً في سوق ديناميكي مثل السوق الأميركي كان لديه القدرة على تحسين آمال وتوقعات الغالبية العظمى من مواطنيه من خلال النمو الاقتصادي. وعلى الرغم من أنه من الطبيعي أن يعاني البعض من تلك العملية إلا أنني أستطيع أن أؤكد أن هناك أعداداً أكبر بكثير ستعاني في نظام «السوق الاجتماعي».
بقلم :جونا جولدبرج
|