تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أسئلة ملحة عشية الانتخابات المصرية

شؤون سياسية
الأربعاء 13-6-2012
عبد الحليم سعود

على وقع استمرار المظاهرات والحشود الشعبية في ميدان التحرير بالقاهرة تنطلق بعد أيام قليلة الجولة الثانية والحاسمة من الانتخابات الرئاسية المصرية بين مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي وآخر رئيس حكومة في عهد مبارك أحمد شفيق،

وسط امتعاض واضح من النتائج التي تمخضت عنها الجولة الأولى من الانتخابات والتي شكلت بما أفرزته صدمة لأغلب المصريين من التيارات المحسوبة على الثورة، وإذا كان أغلب المصريين يشعرون بأنهم مجبرون على أحد خيارين أحلاهما مر فإن الجميع يسأل اليوم لماذا أفرزت الإرادة الشعبية هذه النتيجة الصادمة..؟!‏

وقد يسأل سائل: ما الذي كان يريده الشعب المصري من ثورته غير المسبوقة... وما الذي كان يحتاج إليه... ومن هو الشخص القريب من تطلعاته واحتياجاته من بين المرشحين، وإذا كان المصريون قد ثاروا ضد نظام مبارك فلماذا صعد إلى الجولة الثانية أحد رموزه المعروفين أو ما بات يعرف «بفلول النظام السابق»..؟!‏

الشعب المصري الذي فجر ثورته في وجه نظام مبارك وخرج بملايين إلى الميادين الكبرى ملبيا نداءات وشعارات الشباب لم يفعل ذلك عشوائيا ولم تجتمع كل شرائحه ومكوناته السياسية والاجتماعية حول الثورة إلا لأسباب حقيقية وموضوعية دفعته للخروج للشارع أملا في تغيير حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية نحو الأفضل، فلماذا إذا أصيب المصريون بخيبة أمل بعد نتائج الجولة الأولى ولماذا عادوا إلى الميادين للتعبير عن السخط والغضب وهم من شاركوا في صنع هذه النتيجة..؟‏

يؤكد بعض المتابعين أن الشعب المصري غير معني بصراع ومشاحنات القوى السياسية التي تصدرت المشهد المصري لعقود طويلة دون أن تؤثر فيه أو تغيره والتي دخلت المشهد السياسي مؤخرا بعد الثورة على حساب القوى الشبابية التي قادت الثورة ثم خرجت من المشهد بصورة غامضة دون أن يكون لها أي مرشح رئاسي تاركة الساحة للقوى السابقة التي صعدت على أكتاف الثورة.‏

مرد الخيبة وفقدان الأمل يعود حسب المحللين لصعود بعض القوى السياسية التي لم تكن تختلف عن النظام السابق والتي أثبتت في فترة ما بعد الثورة أنها لاتقل عن النظام انتهازية ووصولية، فتصدر الإخوان المسلمين للمشهد المصري جاء على حساب القوى الوطنية والثورية نتيجة لعبها على الوجدان الديني للمصريين وتوجيهه نحو حسابات إخوانية محضة متعلقة بأطماعها بالسلطة، ويحضر في هذا السياق ما أعلنه قادة الإخوان إبان الثورة حول عزوفهم عن الترشح للانتخابات الرئاسية ولكنهم تناسوا هذا الإعلان واستماتوا في تقديم المرشح تلو الآخر بعد هيمنتهم على مجلس الشعب إلى جانب التيار السلفي الذي يتقاطع معهم في الكثير من الأطماع والمصالح.‏

كما أن مجيء أحمد شفيق كمرشح رئاسي ومنافس يكاد يقسم الأصوات الانتخابية إلى نصفين قد عزز إحساس المصريين بالخيبة وشعورهم بالفشل، فالنظام الذي خرج من الباب بفعل الثورة ها قد عاد إليهم أحد رموزه من النافذة عبر الانتخابات الحرة والنزيهة وليس مفاجئا أن يتم انتخابه في إعادة إنتاج جديدة للنظام المخلوع، وهو ما يعمق الإحساس بأن الثورة تم اختطافها وحرفها عن أهدافها لمصلحة تيارات وقوى لم تستطع في أي مناسبة سابقة تمثيل إرادة المصريين بشكل حقيقي.‏

فإلى جانب افتقاد الأمن وتدهور الاقتصاد المصري وانتشار الفوضى والجريمة وتردي الأحوال المصرية عموما إلى نقطة تكاد تكون أصعب بكثير مما كانت عليه قبل الثورة، هناك شعور طاغ لدى المصريين بأن صورة مصر القوية في العالم اهتزت كثيرا بعد الثورة وأن هناك قوى دولية وإقليمية تتدخل بالشأن المصري وتسيره وفق أهوائها وأطماعها، في حين أن الشعب الباحث عن كرامته وحريته وإرادته لم يجد فيمن حوله من قيادات وقوى سياسية ذاك الإخلاص للثوري الذي كان يريده، ولأنه لم يهتم لمن يتحدث باسمه ثم يعمل لحساباته الخاصة أو لحساب تياره الأيديولوجي والسياسي ،فقد كان صعود الإخوان بديهيا بقدر كبير نتيجة تأثيرهم السابق، لكن تيارهم سرعان ما ظهر على حقيقته وبرهن على ضعف مصداقيته ومدى تمثيله للايديولوجيا الدينية التي يتبناها أو تمثيله لتطلعات الجماهير التي نزلت إلى ميدان التحرير سواء على الصعيد الاقتصادي والمعيشي.‏

آخر المفارقات غير المحسوبة تمثلت بقيام الشعب المصري بمؤازرة أحمد شفيق وهو أحد وجوه النظام المخلوع وجعله منافسا حقيقيا لسطوة الإخوان المسلمين الكبيرة في الحياة السياسية المصرية، وهو ما ظهر جليا خلال الهجوم القاسي الذي شنه شفيق مؤخرا على الاخوان ووصفهم بالظلامية والتخلف..إلخ.‏

لاشك أن صورة النظام السياسي القادم في مصر ضبابية إلى حد كبير، والأمر منوط بالمرشح الفائز وبالدستور الذي سيكتب وبالصلاحيات التي ستمنح للرئيس القادم بموجب الدستور، وفي مطلق الأحوال أيا تكن هوية الفائز فإن أمامه تحديات كبيرة داخلية وخارجية، وقد أثبتت الديمقراطية في حالة مصر بأنها ليست حلا سحريا للمشكلات التي يعاني منها الشعب، وقد لا تطول المدة التي سيجد فيها الشعب نفسه مدعواً للخروج إلى ميدان التحرير مرات عديدة للتخلص من المأزق الذي وقع فيه بفعل ظروف داخلية وتدخلات خارجية لم تعد خافية على أحد.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية