تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نواس التضاد ووحدة المسار

كتب
الأربعاء 13-6-2012
باسم سليمان

هل نستطيع القول: إنّ أفضل المسرحيات هي التي يستطيع القارئ أن يمسرحها داخل نفسه بأن تتحول بين يديه تلك المخطوطة من حبر وورق إلى خشبة ومن ثم يختار الشكل الذي يريد ما بين تطهيرية أرسطية أو القبول بالخطيئة كمبتدأ للوجود

وليس من داع للخوف منها كما يحاول بريخت أن يقول: إن الحياة نصّ مسرحي, فلا تجزع من الدور الذي تؤديه؛ أجمل ما في السؤال, أن يترك كاملاً لمتلقيه!؟.‏

« أنشودة النقيق» نصّ مسرحي كتبه راهيم حسّاوي مستبعداً العتبة الكلاسيكية التي تعنون بها المسرحيات بكلمة واحدة « مسرحية» وهو بإضافته لكلمة نصّ كتعريف للجنس الذي كتبه, يؤشر بدلالة واضحة, أنّ هذا النص وضع لمحمولين, محمول القراءة ومحمول تحويله لنص مشاهد؛ هذه الازدواجية ماكرة من قبله, فالمسرح وفق ستانسلافسكي هو حركة أكثر منه قول وبالتالي القارئ في علاقته مع النص المقروء يتحول لسجين في سكون القراءة ولكن بالمقابل يدعوه المسرح كحركة إلى كسر رتابة القراءة بالقيام بالحركة وما بين هاتين الضفتين, تعلو أصوات نقيق الضفادع كأنشودة رثاء أخيرة لهذا الإنسان الذي يقتله التجاذب بين طرفي النواس وغاب عن فكره إن التضاد يضمر وحدة مسار النواس وكأنّه العجوز في المسرحية الذي لا يعرف عن الأقلام إلا أن يبريها ويبريها ومن ثم يكسرها ويمعن في وهمّه عن قدرته على اكتشاف الإكسير الذي به سينقذ العالم موزعاً حكمته وآماله على خادمته التي لديها ذات الطموح وفي لحظة تثور الخادمة على محمول القراءة وتكتشف مقدار السكون الذي وضعها به العجوز, فتقرر أن تعيش أنشودة النقيق, الرثاء الأخير, بعدما اتهمها العجوز بأنها تضمر شرّاً له ولأنشودته وهكذا يشربها السم أو عقار الحقيقة, فتبوح له بمكنوناتها عندما تكتشف كيف غابتْ عن الحياة في هذا الكوخ البعيد في الغابة وما وجودها في بيوت الناس كخادمة إلا استمرار لتلك العزلة؛ تبقى لحظات قليلة من الحياة لكن الخادمة تستطيع أن تعيش لحظاتها الأخيرة بكامل ألق الحياة وتستمع لأنشودة الرثاء الأخير.‏

العجوز الذي يصنع الأعداء كما يصنع مستحضراته العشبية القاتلة يبقى وحيداً إلى أن يأته الأعرج الذي اتهمه بقتل الضفادع بعكازه المدببة ويمارس عليه ريبته وشكوكه كما فعل بالخادمة لكن تبدأ الحشود البشرية بالتدفق والعجوز مستلق بينها يبري القلم تلو الآخر ومن أفواه هذه الحشود والرجل الأعرج تبدأ أصوات النقيق بالتصاعد.‏

ما قُدم أعلاه ليس إلا قراءة لا تلزم غير سجينها كما تفعل الزنزانة؛ للتحرر يلزم تلك الحركة والحركة لا يقوم بها إلا القارئ ذاته كفرد يجبّ كل القراءات الأخرى, أي أن يكون كالخادمة, فالنص هو العجوز الذي يلزمك أن تتابعه إلى آخر حرف فيه سواء أسمعك أنشودة النقيق الرثاء الأخير أم لم يسمعك عليك أن تشرب عقار الحقيقة / الموت وتختار حركتك أنت.‏

لم يستطع هاملت أن يُقدِم, ظلّ صريع أفكاره كما العجوز كما النص في حين أنتيغونا/ الخادمة اختارت والرجل الأعرج هو أنت, أيها القارئ أيها المشاهد والآخرون, هم أنتم, جميعاً لديكم توق لسماع أنشودة النقيق لكن هذه الأنشودة تكمن في خضم الحياة كما تكمن في بطون الضفادع عندما تعيش الحب ويبدأ العازفون في بطونها بعزف لحن الحب.‏

أنشودة النقيق, نص مسرحي لبراهيم حسّاوي صادر عن دار تالة, دمشق 2012‏

Bassemsso91@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية