وكم من طقسٍ اجتماعي غزا حياتنا مخترقاً عاداتنا وأخلاقياتنا رغم يقين معظمنا بما سيجره علينا من خيباتٍ بدأنا نحصد بعضها ، والمبرر أننا في عصر العولمة ، والحياة تسير قدماً ، والانفتاح شرٌ لا بدَ منه ...إلى آخر هذه العبارات التي نرددها لتسويغ غوصنا في أنماطٍ حياتيةٍ لا تمت لأعرافنا بصلة ولتكون النتيجة مجتمعاً فاقداً لهويته ..لانتمائه ولقيمٍ كانت حارساً لنا من الضياع ، وأبناء لا تربطهم بأبويهم إلَا وشائج المال والمصلحة.
فما مبرر أن تكون الجليسة ، أو المربية ،أو الخادمة ، أو ماشئتم من التسميات مع أطفالنا تطعمهم..تعلمهم .. تنزههم ، وتروي لهم حكاية ما قبل النوم .. البريستيج الاجتماعي هذا الداء العضال الذي تمكَن منَا يقتضي ذلك ؟! أم أنَ الأمومة طالها ماطال سواها من تبدلات العصر، فبات الجلوس مع فلذات الأكباد تخلفاً ..ورعايتهم تضحيةً بلا مبرر ، والطهي لهم خدمةً بلا مقابل ..أمَا صحبتهم إلى المنتزهات فلا بأس لكن حسب المزاج ،وخلو البرنامج من حملات التسوَق ، وجلسات الثرثرة .
وما العذر للتخاطب مع الأبناء باللغة الإنكليزية فقط منذ أن تبدأ شفاههم بالكلام ؟! بل و معاقبتهم بعدم الإجابة على تساؤلاتهم إن لم يمتثلوا لإرادة عشَاق العولمة ، هل لأنَ لغتنا لم تعد تليق بهذا العصر ؟ أم الأصح أننا نحن لم نعد نليق بها بعد أن غيَبنا ثراءها ، وقزَمنا آفاقها حين روجنا لأجيالنا مفردات باب الحارة وتوابعها.
نعم نحن في القرن الحادي والعشرين وما يصلح له لا يصلح لغيره ، لكن من قال أن القيم تتغير ومقومات الأمم العريقة تتبدل ، خاصةً اللغة والأرض ودفء الأسرة ذاك الغرس الأخضر الذي لن تقتلع جذوره رياح العولمة حتى ولو اشتدَت أحياناً ،لأنَ الجذر ضارب في الأعماق متشبث بقيم الأجداد التي تجاوزها البعض , وسخر منها الآخر لكنَ الأمل يبقى بمن يصرُ على التمسك بأصالته مهما كثرت الضغوط والاتهامات ، وهو ماعرف عن السوري عبر الزمان .