تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عبر التاريخ.. المال أولاً لارتكاب أفظع المجازر بحق الإنسانية

قاعدة الحدث
الخميس 7-6-2012
اعداد : عزة شتيوي

يطلق مصطلح (المرتزقة) على كل شخص يقاتل في بلد غير بلده من اجل المال ,ويعود استخدام المرتزقة في الحروب إلى زمن غابر من عمر الإنسانية، وتحديدا إلى سنة 1288 ق. م،

حين استخدمهم الفراعنة بقيادة رمسيس الثاني في معركة قادش ضد الحيثيين. وشجع أداؤهم في هذه المعركة الفراعنة على التمادي في استجلاب المرتزقة إلى صفوف الجيش المصري من أرجاء شتى، ولا سيما بلاد الإغريق وما حولها.‏

وقد أخذ ملوك بلدان أخرى هذا الأمر عن الفراعنة من بينهم كورش الأصغر الذي استقدم عشرة آلاف من المرتزقة من بلاد الإغريق ليساعدوه في إقصاء أخيه الملك أرتحششتا الثاني وذلك عام 401 ق. م، فجاؤوا مسرعين إلى بلاد فارس يتقدمهم زينفون تلميذ سقراط، وعيونهم على الذهب الذي سيحصلون عليه لقاء خوضهم هذه الحرب. وتوسع الرومان في تجنيد العاطلين عن العمل واستقطاب الراغبين في تأجير جهدهم ورغبتهم في القتال، حتى أصبحت لديهم جيوش كاملة من المرتزقة، وظفوها في دحر أعدائهم وتوسيع أرجاء إمبراطوريتهم. وقد كافأ الرومان المرتزقة على جهدهم هذا بسن قانون يسمح بمنح الجنسية الرومانية لكل غريب يرتدي البزة العسكرية وينخرط في صفوف جيوشهم.‏

وسلك القرطاجيون الدرب نفسه، فجلبوا مرتزقة من أجناس شتى، ليصبح جيشهم خليطا. وقد أدى هذا التنافر إلى خسارة الجيش لمعاركه وعودة المرتزقة مهزومين، لكن الهزيمة لم تترك في نفوسهم أثرا كبيرا لافتقادهم إلى الروح الوطنية والغيرة على البلاد، لذا تبلدوا في مواجهة الأهالي وتنمروا عليم فخنقوا الحريات العامة، وتحولوا إلى عالة اقتصادية وعبء نفسي وسياسي على المجتمع.‏

ولم يخرج البيزنطيون على هذا التقليد، فجعلوا أغلبية جيوشهم من المرتزقة، إلى درجة أن الجيش الذي قاده بليزاريوس لقتال الوندال سنة 532م كان ينتمي إلى أمم عدة. وتصاعد اعتماد البيزنطيين على المرتزقة إلى درجة صارت فيها الفيالق الرئيسية في جيش إمبراطورهم جوستينان من البربر، بما في ذلك الفيلقان المسؤولان عن حماية الإمبراطور نفسه.‏

وقد أنعشت الحروب الطويلة التي نشبت بين المختلفين في المذاهب الدينية حركة المرتزقة بأوروبا، وجعلت من وجودهم أمراً طبيعياً، حتى بات الفرد منهم يحمل لقب «جندي».‏

وتبوأت سويسرا الموقع الذي كان يحوزه الإغريق في تصدير المرتزقة، نظرا لما أظهره المحاربون السويسريون من قدرة قتالية فائقة، بعد إخضاعهم لتدريبات عسكرية مكثفة تحت رعاية مقاتلين محترفين، حتى باتوا يعرفون باسم (مروضو وقاهرو الملوك).‏

لكن الارتزاق امتد أيضا إلى كل من هولندا وألمانيا وإنجلترا نفسها، ليصبح المرتزقة علامة مميزة في كل الحروب الأهلية والإقليمية.‏

وقد جلب لويس الحادي عشر ملك فرنسا أعدادا غفيرة من المرتزقة السويسريين، ووقع مع المقاطعات السويسرية اتفاقية عام 1474 التي جعلت لفرنسا دون غيرها الحق في استخدام المحاربين في صفوف القوات البرية الفرنسية، مقابل رواتب مجزية تدفعها الخزينة الملكية. وظلت هذه الاتفاقية سارية المفعول حتى عهد لويس الثاني عشر 1509، حين خرقها البابا يوليوس الثاني، وجند ستة آلاف سويسري في «الحلف المقدس» الذي تزعمه لطرد الفرنسيين من إيطاليا.‏

وتمكن المرتزقة من حسم معركة نافورا عام 1513، لمصلحة رابطة مالين التي كونها البابا ليو العاشر والإمبراطور ماكسيميليان فرديناند ملك اسبانيا، ضد الحملة التي قادها ملك فرنسا فرانسوا الأول على إيطاليا.‏

ولعبوا أيضا دورا سلبيا في هزيمة الجيش الفرنسي في معركة بيكوك عام 1522، عندما غضب المرتزقة المنضمون إلى صفوفه من قرار قائده لوتريك بإخلاء مدينة ميلانو تحت ضغط هجمات الإيطاليين، فتمردوا عليه مطالبين بدفع أجورهم أو تسريحهم أو الدخول في المعركة للحصول على الغنائم.‏

واستعمل نابليون بونابرت المرتزقة في حروبه التوسعية، وشكلوا أكثر من نصف جيشه الذي حاول غزو روسيا عام 1812. وحين قامت الجمهورية الفرنسية الثالثة عام 1848، راحت تزيد من اعتمادها على العناصر الأجنبية ورجال المستعمرات في تشكيل جيشها، الذي بات يضم جنوداً من بلاد المغرب العربي والهند الصينية وفيتنام وافريقيا جنوب الصحراء، يتلقون رواتب شهرية ويحصلون على مزايا وعطايا، مقابل اشتراكهم في القتال من أجل مجد الإمبراطورية الفرنسية ومصالحها.‏

وفي العصر الحديث انغمس العالم مع بداية القرن العشرين في أتون الصراعات العرقية أو المحلية، التي أوقعت به في سباق تسلح رهيب استنزف ثروات البلاد النامية والفقيرة وضاعف من فقرها.‏

وفي معظم هذه الحروب، أسهمت ما تسمى بفئة المرتزقة العسكريين بقدر لا يستهان به من الكوارث الإنسانية والدمار والخسائر الضخمة في العتاد والارواح، لأنها فئة لا تحارب دفاعًا عن وطن، وإعمالاً لمبادئ، ولا نشراً لرسالة، ولا نصرة لمظلوم، إنما تحارب من أجل جمع الثروات، في صف من يدفع أكثر، وتتلون كالحرباء، وتنشر الرعب والخراب حيثما حلت، فهى فئة بلا وازع من ضمير ولا رادع من قيم، ترفع شعار: «قوات جاهزة تحت الطلب لمن يدفع أكثر»، ومهما تسترت هذه الفئة وراء الشركات وغيرت من الأسماء، الا انها باتت واضحة لكل مراقب.‏

وقد راجت وازدهرت صناعة الارتزاق العسكري في عدة دول منها الدول الإفريقية لأسباب عديدة، بعضها إفريقي، يرجع إلى التقاليد المنتشرة في الكثير من مناطق القارة، والتي تجعل القبول بفكرة الارتزاق مقبولة ومستساغة، حيث يسود الاعتقاد في هذه المناطق أن الحكم ينبغي أن يكون لمن يحوز المال والأنصار والعصبية القبلية، بصرف النظر عن الحق، كما أن الانهيار في جنوب إفريقيا منذ عام 1994م، والذي كان قائماً على التعصب أدى إلى توافر فوائض من الكوادر ذات الخبرات العسكرية والمخابراتية التي لديها معرفة دقيقة بالدول المجاورة التي سبق أن حاربت على أرضها من قبل، ومازالت تلك الكوادر في قمة لياقتها العسكرية، كما أنها في الوقت نفسه ليست موضع ترحيب من النظام الجديد في بلدها بسبب تاريخها الأسود في سجل التفرقة العنصرية، وفي الوقت نفسه يصعب إخضاعها للسيطرة الكاملة مع وجود السوق المزدهرة بالإغراءات في القارة، وصعوبة التكيف مع الحياة المدنية‏

أما على الصعيد العالمي تطور مصطلح المرتزقة واختبأ وراء مايسمى الشركات الخاصة، وأغراض هذه الشركات واضحة للعيان، مهما تخفت وراء الأقنعة، فهي تقوم بمهام التجسس، والاغتيالات، وشن حرب العصابات ، علاوة على جلب الأسلحة، وتدريب قوات المتمردين في ، والقيام بعمليات التخريب وراء خطوط العدو، وتخطيط وتنفيذ الحملات الدعائية والسياسية، لأنها جيوش خاصة لا تخضع لقوانين.‏

ومن أشهر شركات المرتزقة الحديثة والرائدة في جنوب إفريقيا شركة «الفوائد التنفيذية وهي شركة متخصصة في شن الحروب السرية والقيام بدوريات القتال الجوية، وينضم تحت لوائها آلاف المجندين، وقد ظفرت بعقود عمل في دول إفريقية عديدة، بلغت قيمتها مئات الملايين من الدولارات. وقد نصت عقود هذه الشركة على أنها تقدم خدمات أمنية مقابل البترول والماس، ولا تقتصر شركات الارتزاق على جنوب إفريقيا وحدها، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، اشتهرت شركة عرفت باسم «شركة الموارد المهنية العسكرية» وتضم عسكريين أو شبه عسكريين أمريكيين سابقين، وتحتل موقعاً على شبكة الانترنت تحت دعوى أنها تقوم بمهام التدريب على الطائرات العمودية. ويؤكد العاملون بهذه الشركة على أنهم ملتزمون بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، ومرخص لهم من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، وينفون عن أنفسهم صفة المرتزقة.‏

وفي بريطانيا تم اكتشاف الجمعيات التي تضم المرتزقة وتمتلك المقار الضخمة، ومهمتها تأجير السلاح والقوات إلى سيراليون، متحدية قرار الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة، ومن أهم الشركات العاملة في هذا المجال شركة «النظم الدفاعية البريطانية المحدودة وهي تستأجر الجنود الذين سبق لهم أن عملوا في سلاح «الخدمات الجوية الخاصة» البريطاني، وقد قامت قوات هذه الشركة بتدريب القوات على التصدي للتمرد ورجال العصابات في كل من غينيا الجديدة وسيريلانكا وموزمبيق وكولومبيا.‏

وتمتلك شركة «النتائج الحاسمة» المسجلة في كل من المملكة المتحدة وجنوب إفريقيا جيشًا من المرتزقة يقدر قوامه بخمسة آلاف مرتزق، كما تمتلك أسطولاً من طائرات النقل المدنية والعسكرية، وعدداً من طائرات التجسس والاستطلاع، وأسطولاً من الطائرات العمودية الهجومية من طراز ميج- 24، وشركة طيران مدنية تحمل اسم «شركة ابيس» وتشمل رحلاتها دولاً إفريقية وشرق أوسطية وأوروبية؛ كما تمكنت هذه الشركة من شراء عشرات من شركات المرتزقة المنافسة، وكذلك شركة لإدارة امتيازات البترول والمعادن في كل من أنغولا وسيراليون وأوغندا وشمال شرق كينيا وتنزانيا وموزمبيق. وفي عام 1996م حصلت على عقد مع حكومة سيراليون لطرد قوات الجبهة الثورية الموحدة بقيادة «فوداي سنكوه»، وحققت في ذلك نتائج باهرة، وقد قال رئيس شركة «النتائج الحاسمة» في تصريح له: «إن إستراتيجيتنا هي الدخول في حوار مع الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية لكي نوضح لهم: من نحن؟ وما الخدمات التي يمكن أن نقدمها؟ وما مدى أهمية هذه الخدمات؟ ونشرح لهم أسباب تميزنا وانخفاض تكلفة عملياتنا التي تصل إلى 10% فقط من تكاليف عملياتهم».‏

أما شركة «إفريقيا للأمن»، التي أسسها ضابط فرنسي سابق يدعى «باتريك تورن» في عام 1990م، فيعمل بها ما يقرب من 2500 مجند، يقومون بأعمال إخماد المعارضة لحكومات رواندا والغابون والكاميرون. وهناك شركات لاتكشف عن نفسها مثل شركة بلاك ووتر الاميركية وفضيحتها في العراق تزكم الأنوف.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية