خصائص الوطن السوري في المواجهة والمصالحة
شؤون سياسية الاربعاء12-3-2014 د: احمد حاج علي لعل المدخل الأكثر مواءمة وأنسب ضرورة إنما يتمثل في جملة سياسية اجتماعية مفيدة تقول لابد من العودة إلى الوضع الطبيعي للوطن السوري، وعلى هذه القاعدة نستوعب قوة الموقف السوري في الميدان العسكري، وتدفق الموقف الشعبي في منحى الخروج من الجحيم إلى حالة من السلام والوئام عبر شعور شعبي خصب ومتدفق في هذه الأيام أساسه خاصية (المصالحة) المصالحة هي النتيجة ولابد أن تقوم أصلاً في المصارحة والمسامحة، والمصطلح إشكالي في أساسه إذا لمصالحة هي بين طرفين نقيضين في اللحظة الراهنة على الأقل وهذا لاينطبق على الحال الراهن، شعبنا ليس منقسماً على نفسه.
ولكن هناك من أقحم عليه معايير الانقسام والتناقض وأدخل فيه قسراً عوامل التفرق والتمزق، أي إن هذا الذي يجري في بلدنا وعبر مواصفات الداخل الوطني هو طارىء وغريب وشاذ لذا فإن مفهوم المصالحة سوف يعني قبل أي اعتبار حذف عوامل القسر والتناقض والمصالحة مع الذات عبر المصالحة الاجتماعية الواسعة، هذا هو المعنى الأهم والأساس فالمصالحة هي رفض للزيف والطارىء والوافد كوباء والعودة إلى الكيان الاجتماعي والسياسي والطبيعي، ولسوف يستتبع ذلك بالتأكيد مستويات أخرى تشمل الصيغ الفكرية والسياسية والمسلحة، إذاً في جوهر المصالحة هناك عمق مسكون بالوحدة والأمل والعيش الموحد وهناك أغطية مفتعلة والقلوب الخاوية والعقول أساسها الأحقاد وأدواتها الضمائر الجافة والقلوب الخاوية والعقول الضامرة وفي كل هذا سطت الإرادات الخارجية على هذه النماذج وألقي المال الحرام القبض على بعضٍ منها ثم توحدت بمسعى غير حميد وغير أخلاقي إرادة القوى الخارجية مع نقاط الضعف والثغرات المنتشرة كالبثور أو الدمامل في الجسد الوطني السوري، وهنا حدث تطوران مهمان في تفاعلات الواقع من جهة وفي مفاهيم المصالحة من جهة أخرى، في التطور الأول ظهر العامل الوافد سواء أكان وافداً على الوطن ككل أو وافداً على بعض البنيات الاجتماعية أو وافداً ومستقراً في حالات فردية بذاتها وهذا ماكان يعني بالضرورة أن يكون التمزق هو العنوان الأساسي والقيمة السلبية المضافة في حياتنا وأنماط سلوكنا وهنا يتجسد دور المصالحة على قاعدة المصارحة والمسامحة وتصبح المسألة هي جهاد متصل لرفع الزيف وتحطيم الحيف والاتصال والتواصل مع عمق وجوهر مكونات الإنسان السوري على المستوى الفردي أو الجماعي أي أن المصالحة هنا هي ثورة بحد ذاتها بما تعنيه من قوة اعتقاد ومن طاقة قصوى على عزل السلبي عن الإيجابي ودفع الخطر الأكبر بالخطر الأصغر في توجه واضح للعودة إلى صفاء الإنسان المستمد أصلاً من صفاء القيم الوطنية بالمعنى التاريخي والمسلكي والموقفي لذلك نرى كل مواطن سوري يقول إن الحل هو في العودة إلى مصادر الوطن وقيم الإنسان وطبيعة الروابط التي وحدتنا إلى الأبد في هذا البلد الأمين وواضح تماماً من هذه القاعدة أن الصراع توجهه المصالحة على سمت الحقيقة نحو المستعمر والإرهابي والحاقد والمنحرف وصاحب السجل الأسود فتكون المصالحة بذلك قد جمعت واستجمعت كل عناصر الخير بعد التشظي الذي وقعت فيه والانطلاق المباشر نحو الخطر الداهم المتمثل بقوى الشر والإرهاب والعدوان، إنها مسألة الجمع على قاعدة المصالحة بين مكونات القيم والذمم المستقرة في إقليمنا الشامي والتي هي مضرب المثل للإيمان بالإنسان ولصيانة وجوده ولحرمة دمه وأرضه وعرضه، عندها سوف تكون المصالحة هي ناتج القيم وعندها سوف تكون القيم ذاتها من خصائص هذه المصالحة، هذا تطور أول نعيشه قبل أن نراه في حياة شعبنا الراهنة لكن الأهم من ذلك هو التطور الثاني وهو سياق إرادي وليس مجرد انتماء أو اندماج إلى أطوار أخلاقية مستقرة، ولقد عنيت بالإرادي أن يكون الإنسان السوري قد أنجز الصحوة بعد الكبوة وانقشعت الغشاوة عن عينيه وسابق الزمن في العودة إلى حقيقته حيث الخير والسلام وحيث التنوع والخصوبة التي كانت ومازالت تشكل منطق وحدتنا غير القابلة للانقسام ومنطلق اعتناقنا لهذه الوحدة، والإرادة هنا تلعب دورها الهام والحيوي لأنها تعني مستويات ثلاثة ينجزها الإنسان بوعيه وقناعاته وحركته الذاتية في هذا السياق، في المستوى الأول وكمقدمة كبرى وبوابة مفتوحة على الوطن المقدس يفرض شرط السمو فوق الجراح والتعالي على الصغائر واحتساب التضحيات مدخلاً ومخرجاً دفع الشهيد ثمنه من أجل حرية الوطن ووحدته، أما سمعنا كل أمهات الشهداء وكل آباء الشهداء وكل أبناء الشهداء وكل زوجات الشهداء يقلن بإصرار ومباركة من السماء إن شهداءنا هم مشاعل النور على الطريق حتى نهاية الطريق وهم أعز من الروح علينا، لكن الوطن أغلى وفي سبيله تنبعث التضحيات عبر الدماء الزكية، وفي المستوى الثاني من الإرادة الحاضنة للمصالحة تتدفق مشاعر الحب والنور والمسامحة لكي تطمس معالم الكراهية والثأر والغليان الفردي، عندها يصبح الشهيد هو ابن السماء وهو أنبل بني البشر على الأرض وهو الطريق نحو الهدف الأسمى حيث السلم الاجتماعي والسلام السياسي، والتضحيات هنا جليلة لذا لايجوز زجها في حالات فردية محاصرة، إنها قيمة الوطن ومستوى الخلود وذمة الحياة في أرقى صورها، أما المستوى الثالث فهو في نزعة التمرد على الألم تماماً بمايوازي التمرد على العدوان بأدواته وقواه وهذه خاصية لايعرفها إلا من عاش ونما في بلاد الشام...
|