تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لماذا يفكرون بحكمة ويتصرفون بحماقة

آراء
الخميس 16-1-2014
  هنادة الحصري

تعودت أن يبدأ طقسي اليومي بممارسة الرياضة ، ثم مزاولة مسؤولياتي اليومية ثم ينتهي بعادة القراءة التي اعتبرها الغذاء الروحي لي وهي عملية عقلية انفعالية دافعية تسير عبر دهاليز الوعي فيها أحلق مع الكاتب في أجوائه فأخرج الى بحبوحة العالم بأكمله .. و ازور مدنا و أعانق حضارات و أصافح بشرا عبر تجوالي في دواخلهم و ما أجملها من متعة تلك التي تحملها المنظومة الفكرية من دلالات وسياقات ...

بين يدي كتاب دع القلق و ابدأ الحياة لمؤلفه دايل كارنجي .‏

يرى كارنجيانه اذا أردت أن تتجنب القلق فعش في نطاق يومك و لا تقلق على المستقبل و عش اليوم حتى يحين موعد النوم و عندما تأخذ المشكلات بتلابيبك و لا تستطيع منها فكاكا ، فاسأل نفسك ما أسوأ الاحتمالات التي ممكن أن تحدث ؟ ثم هيئ نفسك ذهنيا لقبولها اذا لزم الأمر و بعد ذلك حاول انقاذ ما يمكن انقاذه ، وذكر نفسك على الدوام بالثمن الفادح الذي يتقاضاه القلق من صحتك .‏

و في تحليلك للقلق تعود أن تستخلص الحقائق و أن تزنها بعناية ثم تتخذ قرارا و تنفذه و لا تتهيب العواقب ، وعندما يساورك القلق أجب عن هذه الأسئلة ما هي مشكلتك و ما سببها و ما هي الحلول الممكنة وما أفضل هذه الحلول ، وحاول ألا تهتم بالتوافه أو تدع الصغائر تغلبك على أمرك و تهدم سعادتك ، ثم ضع حدا أقصى للقلق و لا تعطه أكثر مما يستحق ، ثم تجنب القصاص من أعدائك و بدلا من أن تفكر بالجحود سلم به و اعلم أن السعادة ليست في توقع الشكر على ما تبذله و لكن في البذل ذاته ..‏

ثم احص نعم الله عليك و لا تتشبه بأحد و اجتهد أن تصنع من الليمونة المالحة شرابا سائغا .. و لكي تتجنب القلق الذي يجلبه النقد فلتعلم أن النقد الظالم ينطوي غالبا على اطراء متنكر فلتركز جهدك اذن بالعمل الذي تشعر من اعماق قلبك انه صواب و لتصم اذنيك بعد ذلك عن كل ما يصيبك من لوم اللائمين ، لا تلم أحدا أو تفتش على أخطاء أحد و لا تحاول أن تواجه أحدا أو تسيطر على أحد و حاول أن تختلي بنفسك و تصلي لله خمس مرات عسى أن تغدو حياتك أقرب الى الكمال ، وتمتع بكل ما هو جميل و اقنع نفسك بأن كل الذين تحبهم يبادلونك الحب وفكر بالسعادة و اصطنعها حتى تكون السعادة من حظك و ملك يديك و دع التفكير في الماضي فليست هناك قوة يسعها أن تعيد الماضي ، وتذكر أن السعادة تأتي من الداخل و هي ليست تابعة من أشياء خارجية ...‏

هذه هي النقاط الرئيسية في الكتاب والتي من الممكن ان يستفيد منها من يطبقها .‏

و لكن المفاجأة التي صدمتني و أنا اقرأ ما كتبته زوجة هذا الكاتب من أن زوجها لا يطيق التعاليم التي نادى بها فعلى سبيل المثال يطالب بكبت الغضب وهو سريع الغضب لا يقوى على التحكم في نوبات غضبه ، يطالب الناس أن يتخلصوا من القلق و هو أشد الناس قلقا . وكان يرد بقوله لست أفضل من حكيم الصين كونفوشيوس الذي اعترف أنه لا يلتزم بكل التعاليم التي نادى بها ، اما الأمر الأكثر فظاعة فهو أن كارنجي صاحب كتاب دع القلق و ابدأ الحياة و مات منتحرا !...‏

قيل لأن ابنه مات و لم يطق الحياة بعده و للغرابة فله فصل كامل يتحدث فيه عن الطريقة المثلى للعيش بعد فقدان قريب و لقد كانت الشركات في أمريكا تتسابق للحصول على مقاعد لموظفيها ليحضروا دورات لتعلمهم كيف يتعاملوا مع العملاء و مستجدات العمل !..‏

لقد فقد تولستوي ابنه و زوجته في شهور و فقد مارك توين زوجته وابنته الوحيدة تباعا ولم يتوقف أحد منهم عن الكتابة لعلمهم أن الحياة لا مجال للخلود فيها ، واذكر أن ابن خلدون فقد بناته الخمسة و زوجته غرقا في يوم واحد ..‏

للأسف أثبت كارنجي انه لم يؤمن بأفكاره قط ، بل وهناك الكثير ممن يؤلف و هو بعيد كل البعد عن صفة المثقف المبدع الخلاق (innovater) وبالتالي عن افكاره و سلوكه و هذا ما يؤدي الى فقدان احترام القارئ للكاتب فالقارئ يتمنى أن يحدثه القارئ عن تجاربه من خلال تطبيقها على أرض الواقع للوصول الى منهج يتبعه القارئ ليعيد له البسمة و الأمل و يدله على طريق طالما تخبط به كما تقول جورج صاند « ان مهمة الفنان أن ينير قلب الانسان «.‏

اذن هناك علاقة تواشجية بين الكاتب و المتلقي أرجو أن نحافظ عليها وسوف يدهشنا ما يقوله انتول فرانس : « انه لجزء من الطبيعة البشرية أن نفكر بحكمة وأن نتصرف بحماقة S ..‏

">hhousri@gmail.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية