لقد أثارت قضية إشهار سلسلة مكتبات فيرجين ميغاستور الشهيرة في فرنسا إفلاسها, قبل بضعة أسابيع جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية, وكذلك فرصة إضافية لتوجيه الأصابع إلى المسؤولين عن اختفاء مكتبات عظيمة عن المشهد الثقافي, ورمي كل طرف الكرة في ملعب الآخر.
من جانبها أشارت اوريلي فيليبيتي وزيرة الثقافة الفرنسية بأصابعها نحو موقع أمازون للتسوق الالكتروني, والذي حملته المسؤولية الرئيسية عن الأزمة. وهو اتهام سهل, إلى درجة أنها نفسها وزيرة الثقافة, وقبل بضعة أشهر فقط اتهمت سلسلة مكتبات فيرجين, مثل سلفها في الوزارة بأنها المسؤولة عن إغلاق العديد من المكتبات الصغيرة المنتشرة إلى جانبها في المنطقة.
هنا فقط قادتنا الظروف إلى البحث في كل مكان عن المسؤول عن أزمة الكتاب, المستمرة منذ عشرين عاماً, حتى انتهت إلى الابتعاد عن واقع قطاع تطرأ عليه تغييرات باستمرار.
يقول الناشر من جهته أنه يناضل يوماً بعد يوم ضد الأفكار المعلبة, وبالتأكيد إن امازون بريء براءة الذئب من دم يوسف من أي تهمة تحمله مسؤولية ما يشهده قطاع صناعة الكتاب. وأنا لا أريد الدفاع بأي ثمن كان– يقول الناشر- عن عملاق يمكنه إثارة غضبي حول هذه المشكلة أو تلك. ولكن لا أحتمل أبداً اتهام بعض المكتبات لأمازون في مسؤوليته عن مآسيهم! وأمازون ليس أكثر من ممثل فعال لاهث خلف نشاطه, يسعى باستمرار إلى تجنيد موظفين له في فرنسا وافتتاح منصة عرض للتوزيع في مناطق تحتاج لوظائف.
ويحصر الناشر المسؤولية الفعلية للأزمة في نظام التوزيع الفاشل تماماً, والذي يطالب الناشرين دوماً بمزيد من الانتاجية, وفي الوقت ذاته يفرض عليهم باستمرار شروطاً مقيدة. وفي تلك الحالة يصبح الناشرون الفرنسيون, ولا سيما الصغار منهم, ويشكلون نسبة 80% من تلك الصناعة أول المختنقين من أعبائهم ومطالبهم وسنداتهم, بحيث يصبحون غير قادرين على تحمل فواتير مفروضة عليهم من قبل الموزعين لفترة 90 يوماً. ويقول الناشر: إن آخر كتاب صادر عن داره بعنوان طوكيو يمكن أن يكون خير مثال عن حال الناشر في الأيام تلك, وهو البقرة الحلوب لنظام يفترض إجراء إصلاحات فيه بالسرعة القصوى. ومن أصل 35 يورو السعر النهائي الذي يدفعه الشاري , تحصل المكتبة على ما نسبته 34 و 44% من TTC. ومن أجل ضمان البيع المفروض على هذه المكتبات, ومن أجل الموزعين الذين يؤمنون التخزين وتحضير الطلبيات على الكتب, تنتزع مؤسساتنا حوالي 20% وفي نفس الوقت تفرض ضريبة بقيمة 20% من أرباح المبيعات من أجل تعويض المرتجع من الكتب. ويؤكد الناشرون أنه يمكنهم تقديم أرقام إلى الوزراء لكي يحيطوا جيداً في أن الأزمة سببها النظام المعمول به في عملية التوزيع.
ولكن ماذا يقول بعض كبار مؤسسات التوزيع التي تفرض بموجب عقد على الناشرين الصغار كميات كبيرة جداً من الكتب والتي يعرفون مسبقاً أن ثلاثة أرباعها لن تجد طريقها للبيع. ولكن النظام هكذا هو. والناشر ليس أمامه, في الغالب خيار سوى الاتجاه نحو أوروبا الشرقية, إلى بولونيا وجمهورية التشيك من أجل طباعة كتب بتكاليف منخفضة بهدف التقيد بالشروط المحددة من طرف واحد من قبل الموزعين. ومن ثم يتم إرسالهم إلى المكتبات بالصناديق, حيث يتم في أغلب الأحيان اكتشاف محتواهم أثناء الاستلام. عندها ليس أمام الناشرين خيار سوى شراء المخزون غير المباع لدى الموزعين, وأحياناً بأسعار تبلغ أضعاف تكلفة الطباعة. وأمام العجز في شراء المختزن من الكتاب, يلجأ الموزعون إلى عملية السحق ولا ينسوا أن يرسلوا الفاتورة إلى الناشرين المرتهنين إلى نظام قائم بشكل جيد! وما على السيدة الوزيرة سوى إجراء جولة إلى مركز نفايات Cita في ايفري على ضفاف السين, ولتنظر بعينيها إلى مشهد مثير للصدمة عن أطنان من الكتب ينبعث منها الدخان, ولتطرح بنفسها الأسئلة!
لا بد من معالجة هذا النظام, وتلك ليست دعوة للعمل وفق قانون غرونيل للكتاب من أجل إنقاذ النشر الفرنسي. لا بد من اتخاذ قرارات مهمة وشجاعة من قبل الحكومة لتفادي حدوث مجزرة رهيبة للكتب في المستقبل. ولا بد أن تؤدي الحكومة دورها كناظم ومشرف على نظام يرعاه بعض ممن أصبح الآن عديم المسؤولية اقتصادياً.