و كما لو أن الروائيين يضمرون حقيقة تفرّد موضوع (الحب) و تربّعه سلطاناً على قلوب هواة الأدب و قرّائه.. فيفردون شباكهم الروائية المحبوكة بقصص عشقية.. جذباً للمزيد من الناس و طرقاً لقلوبهم قبل عقولهم.
تحريك العاطفي.. نبش المكنونات الداخلية.. الغوص في كل ما هو عميق صادق.. سبر أغوار إكسير الحب.. رصده.. صيده.. نقله.. إعادة تشكيله بأكثر من طريقة.. وتصويره وفق أكثر من زاوية رؤية.. يبدو الشغل الشاغل الذي يعمل عليه الروائي الأمريكي نيكولاس سباركس الذي تصدّرت روايته (ملاذ آمن) قائمة «نيويورك تايمز» للروايات الأكثر مبيعاً للنسخ الورقية والإلكترونية مؤخراً.. مكتسحاً بذلك تربّع رواية (خمسون ظلاً للرمادي) للروائية البريطانية (إي، أل، جيمس) القائمة ذاتها لأكثر من أربعة وعشرين أسبوعاً على التوالي والتي بيع منها أكثر من أربعين مليون نسخة.
عدا عن قائمة (نيويورك تايمز) يبدو الجامع بين سباركس وجيمس والقاسم المشترك بينهما هو الاشتغال على موضوعة «الحب».
هل تجمعهما النظرة ذاتها و المعالجة ذاتها لهذه (الثيمة).. أم لكل منهما وجهة نظر خاصة تصل حدود الاختلاف وربما التناقض.. ؟
ثم هل الأكثر نجاحاً هو الأكثر انتشاراً سينمائياً.. أم أنه مَن يحقق أعلى نسبة مبيعات.. أم لعله جامع الأمرين معاً.. ؟
هل يفترض هذا التنافس بين الكتابين (ملاذ آمن، خمسون ظلاً للرمادي) طرح نوعٍ من المقارنة بين الكاتبين والموضوع الذي عالجه كل منهما في عمله.. ؟ و هل يعني ذلك وجود مقدّمات تتشابه توصل، نهايةً، إلى النتيجة ذاتها.. ؟
لدى مراجعة وتأمّل أعمال سباركس، و نجاحاته بما اشتملت عليه من تحويل بعض من رواياته أفلاماً سينمائية، إضافةً إلى تصنيفه ضمن أكثر الكتّاب العالميين الأمريكيين شهرةً.. حينها لن نستغرب وصول كتابه (ملاذ آمن) إلى المركز الأول في (نيويورك تايمز).. لكن ماذا عن المفاجأة التي حققتها (إي، أل، جيمس) وحفاظها على التربّع على قمة القائمة نفسها طوال أربعة و عشرين أسبوعاً.. و هو ماتمكّنت من فعله بمجرد تأليفها سلسلة روائية بثلاثة أجزاء، الأولى في سجلّها الأدبي.. فبأي حبر سحري خطّت عملها ليغدو «طفرة» في تاريخ النشر عالمياً..؟
بالنسبة لنيكولاس سباركس..
تنغرس أعماله باليومي الحياتي.. متشرّبةً ثيمة (الحب) لتتحوّل ستٍ من رواياته إلى أفلام سينمائية، من أهمها: (رسالة في زجاجة، الشخص المحظوظ، نزهة للذكرى).. وجميعها تسرد تفاصيل قصص عشق يبدو الحب فيها الحبل السرّي الذي يربط مصائر المحبين إلى مشيمة الرابط المقدّس المتمثل بهذه العاطفة.
في (رسالة في زجاجة).. ينطلق الروائي من حدث، هو صدفة عثور البطلة على رسالة أرسلها أحدهم إلى زوجته المتوفاة.. تعجب بالرسالة و تقع في حب صاحبها لتذهب في رحلة بحث للقائه.
وفي (نزهة للذكرى).. يقول نيكولاس إنه استوحى الشخصية الرئيسية من أخته التي توفيت في عمر الثالثة والثلاثين. و العمل يؤكد أن الحب قادر على صنع المعجزات بما يمنح من طاقة تحوّل إيجابية.. وهو ما قدرت بطلة الفيلم (جايمي) على فعله بزميلها في صف الدراسة محوّلةً إياه من شخص لاهٍ إلى آخر محب معطاء.
بدورها تحوّلت رواية (ملاذ آمن) إلى فيلم، تناقش حقيقة أن الحب يبدو مؤلماً أحياناً و لكن لابد من إعادة المحاولة و لأجل ذلك عليك أن تثق بالآخر من جديد.
النقر على شغاف القلب، هو ما أبدع و برع به سباركس.. حيث الغوص عميقاً صوب كل ما هو شفاف، صادق، حقيقي و إنساني.. لديه دائماً الحب هو المنتصر على كل الصعوبات.. مبتعداً عن الخوض في الجانب الغرائزي الشهواني.. وبالتالي الانتصار للقيمي الجمالي..
وهنا مكمن الاختلاف عمّا خطّت (إي، أل، جيمس) التي قاربت المحسوس و لامست منطقة الغرائز في (ظلالها).. حتى أن الكثير من النقاد هاجم روايتها واحتج على تصدّرها قائمة (نيويورك تايمز) معتبراً ذلك كارثة على الثقافة الغربية.
خاضت (إي، أل، جيمس) في نقل تفاصيل علاقة جمعت الفتاة (انستازيا) برجل يكبرها ذي شخصية سادية مازوشية.. تغوص في سرد مغامراتهما الايروتيكية معاً.
و على ما يبدو.. فقد كان الخوض في هذا «الحسي» هو ما رفع أسهم الرواية لدى القرّاء و جعلها ناجحة جماهيرياً.
بعيداً عن موجة الاستنكار و عن كل الآراء النقدية السلبية التي قيلت في (خمسون ظلاً للرمادي) غالباً حاولت الروائية مجاراة نوع من الحب ربما صنّفناه بالحب الحسي الشهواني..
ما فعلته (إي، أل، جيمس) لايعدو كونه دغدغة للمكبوت على اعتباره يشبع أحاسيس ورغبات القرّاء.