وألمها إلا أنها حملت معها الكثير مما كان يجب أن يكون، فاختصرت المَثَل الذي يقول : « الضربة التي لا تقتلك تقوّيك»، ونعتقد أننا كسوريين أشدّ إيماناً بالحياة وأكثر تمسّكاً بمقومات الوجود، وهذا يعني أننا وعينا أو سنعي كلّ «الإيجابيات» التي طمرها رماد هذه الأزمة أو تلك التي نبتت تحت هذا الرماد..
لا نستعجل استخلاص العبر والدروس وإنما نمرّ على واقع عشناه في تجارب عشناها هي من أصعب التجارب وأكثرها تحدّياً للوعي ولآليات التعامل مع المستجدات والتطورات وخاصة في شقّها الموجع حيث أثبت السوريون أنهم شعب عظيم خَبَر الحياة وأعطاها من روحه الروح..
بداية
لا بد من الإشارة أولاً إلى أن كلّ عمل قام به السوريون أو عبروا عن إيمانهم به كان موضع تشكيك من قبل قنوات لبست ثوب الإعلام ولكن الإعلام منها بريء، وهذه الحرب الإعلامية الموجهة ضدّ عقول السوريين كان بإمكانها أن تدمّر هذه العقول لولا أنها محصنة جداً بوعي قلّ نظيره ومسيّجة بوحدة وطنية عبّرت عن نفسها خلال الأشهر الـ 14 الماضية، وبالتالي فإن كل القراءات التالية لما قام به الشباب السوري بشكل خاص في الاستحقاقات التي سنمرّ عليها يجب أن يُقرأ مع الأخذ بعين الاعتبار هذا الضغط الإعلامي عليه.
انتخابات المجالس المحلية
في 12/12/2011 توجّه السوريون إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في المجالس المحلية على مستوى الوحدات الإدارية المختلفة وكان ذلك الاستحقاق هو الأول خلال هذه الأزمة والأول بعد العديد من الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها السيد الرئيس بشار الأسد وفي مقدمتها قانون الانتخاب الجديد، وكان الشباب
السوري أمام أكثر من تحدٍّ في استحقاق واحد:
× التحدّي الأول هو ضمان مشاركة أكبر نسبة ممكنة في تلك الانتخابات ردّاً على محاولات التضليل وقنوات التشكيك التي قللت من شأن تلك الانتخابات وأنها لن تشهد مشاركة حقيقية على وقع السلاح الذي تشهره السلطة بوجه شعبها كما تدّعي، لكن خيبةً كبيرة وقعت بها أطراف المؤامرة وهي ترى تسابق المواطنين السوريين إلى صناديق الاقتراع و الذين رأيناهم يستأجرون السيارات أو يضعون سياراتهم الخاصة في خدمة هذه الانتخابات لنقل المواطنين من وإلى مراكز الاقتراع ونعتقد أن الجميع سجّل للشباب السوري دوره المؤثر في هذه المسألة التي كسب بها الرهان.
× التحدّي الثاني تمثّل بضرورة ضمان انتخاب الأفضل الذي يمثّل هؤلاء الشباب في المجالس المحلية، وعلى الرغم من صعوبة هذا التحدّي إلا أن الأوراق الانتخابية جاءت بالبشرى وبإمكان كلّ واحد منكم أن يستعيد أسماء الناجحين في المجالس المحلية ليدرك أنها هي الأفضل منذ عقود دون أن يخلو الأمر من استثناءات كرّست بعض الاعتبارات الخاصة في منح الأصوات الانتخابية.
× التحدّي الثالث تمثّل بإمكانية وصول الشباب إلى هذه المجالس ومع أن النتائج لم تحمل تلك النسبة الكبيرة من الشباب لكنها في الوقت نفسه لم تغيّبهم وقد حضروا بنسب معقولة تمهّد لوضع أفضل في قادمات الاستحقاقات الديمقراطية.
الاستفتاء على الدستور
لئن حضرت بعض الاعتبارات الشخصية في انتخابات الإدارة المحلية لأسباب من الصعب التغلّب عليها في يوم وليلة أو إزالتها دفعة واحدة فإن هذه الاعتبارات غابت عندما كان التعامل مع قضية عامة تخصّ مستقبل بلد بأكمله ونعني به الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية الذي طُرح للاستفتاء العام في 26/2/2012 وحظي بثقة وتأييد الشعب السوري..
استطلعنا آراء الكثيرين قبل الاستفتاء على الدستور وسجلنا ملاحظات البعض عليه لكن كلمة " نعم" حضرت في النهاية لأن السوريين رأوا فيها تحصيناً للوطن ووقوفاً بوجه المؤامرة وبالوقت نفسه سجلوا في قناعاتهم أنه بالإمكان تعديل بعض مواد الدستور غير الملبية من وجهة نظرهم لكن تعطيل إقرار الدستور يمنح المتآمرين فرصة التشدّق بما هو عار عن الصحة وليس في مصلحة البلد، وقد وعى السوريون وفي مقدمتهم الشباب هذه المعادلة فكانت فعالياتهم المؤثرة والداعمة لهذا الدستور وكان صوتهم الحرّ الذي ساهم في إقرار الدستور موجّهين ضربة أخرى للمتآمرين.
انتخابات مجلس الشعب
اليوم، الاثنين 7/5/2012 هو موعد تتويج هذه الاستحقاقات الديمقراطية عبر انتخابات مجلس الشعب ونعتقد كما يعتقد الكثيرون أن هذا الاستحقاق هو الأكثر بلورة لحضور وتأثير الشباب السوري في حياة بلدهم بشكل عملي وفعّال..
تحدثنا في العدد الماضي من هذا الملحق الموجّه للشباب عن موقف بعض الشباب من المرشحين لعضوية مجلس الشعب وقلنا إن هؤلاء الشباب لا يثقون كثيراً بالشعارات الانتخابية للمرشحين ولكن وحتى نكون منصفين لا بدّ من توضيح بعض النقاط..
× مجردّ أن يحضر الشباب في شعارات المرشحين وبهذه الكثافة فإن ذلك يسجل اعترافاً واضحاً من قبل المرشحين بأهمية دور الشباب في بناء سورية المتجددة، وإن اعترى هذه الشعارات بعض الشكّ بماهية إيمان المرشحين بمضمون شعاراتهم.
× لا توجد أرقام واضحة تماماً عن نسبة الشباب بين المرشحين لعضوية مجلس الشعب ولكن عدداً لا بأس به من الشباب سيخوض هذه التجربة ونعتقد أن النجاح سيكون حليف القسم الأكبر منهم.
× حضور الشباب القوي على مسرح الحدث الوطني في الفترة الماضية انعكس إيجابياً على قناعات الكثيرين الذين عبروا لنا عن ضرورة أن يستلم الشباب دفة المرحلة القادمة لأنهم الأكثر قدرة على الإيفاء باحتياجاتها، وهذا تحوّل إيجابي آخر لا بد من أخذه بعين الاعتبار.
والخلاصة!
سورية تستعيد شبابها، وتجدد نفسها عبر خطوات واثقة مهدّت لها قيادتنا الحكيمة سبل النجاح، وها هي تنفذّ الإصلاحات على الرغم من الأيام الصعبة التي تعيشها، والتي يحاول المتآمرون عليها أن يطيلوا أمدها، لكن الشعب السوري العظيم كابر وتصدّى وتمسّك بوحدته الوطنية وبرؤيته المتفائلة بالغد.