تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


محبّــــة الألـــــم وألــــم المـــحبّــــة

آراء
الأثنين 29-6-2009م
محمود شيخ عيسى

هل تدفعنا محبّتنا لشخص ما إلى الامتناع عن تقديم المساعدة المطلوبة له إذا شعرنا أن هذه المساعدة يمكن أن تسبب له قدْراً ولو ضئيلاً من الألم؟!

هذا السؤال يقفز لا شعورياً إلى الذهن عندما نمرّ بحالة نجد فيها الشخص المحبوب من قبلنا يتعرّض لألم ما ونقف مترددين في تقديم المساعدة له خوفاً من أن تكون تلك المساعدة عاملاً آخر من عوامل إيلامه.‏

مثلاً يتقدّم والدنا في السنّ ويصبح عرضة للإصابة بكثير من الأمراض، ويتطلّب خضوعه للعلاج قدراً لا بأس به من الشجاعة، لأنّ هذا العلاج سيكون شئنا أو لم نشأ مشوباً بدرجة من الألم الذي نضعف أمامه ونعجز عجزاً فاضحاً عن مواجهته.‏

تمتدّ يد إلى هذا الوالد الذي ينوء بعبء السنين، وهي ترمي لتخفيف المعاناة أو جزء منها، وفجأة تندفع خطوط وألوان لوحة المعاناة لتنسكب على ورق القلب الوجيع.‏

للوهلة الأولى يخيّل إلينا أنّ النفس قادرة على مواجهة تلك الموجة العاتية التي اندفعت فجأة إلى السطح تضرب كلّ ما حولها ومن حولها، لكنّ الأمور تسير في طريق لم يكن يخطر في البال.‏

تقفز صورة ذلك الأب الحاني وتلحّ على مهاجمة النقطة التي تمور ضعفاً وتنكشف أمام الغزو الخارجيّ رافعة كلّ ما لديها من رايات بيضاء ونعني بها الضمير.‏

يتذكّر الإنسان أيام الطفولة، ويعود إلى صدر تلك السنديانة العتيقة التي واجهت أنواء وأعباء السنين وظلّت فتيّة الأوراق ندية العروق.‏

كان ذلك الأب يخشى عليّ السقوط حتى على الفراش الوثير الناعم مخافة أن يكدّر الوجع البسيط نقاء طفولتي، كان قلبه يتراقص فرحاً وهو يراني أثب هنا وهناك لأغمر بيت قلبه وبيت أسرته مرحاً وحبوراً.‏

إذا سقطتُّ على الأرض سارع لحملي ومسح على خصلات شعري بأنامله الدفيئة مختزناً غيمات الرحمة التي تنثال في عطش الروح رياً وخصباً.‏

يشير إليّ لضرب الأرض التي سببتْ سقوطي، وأنحني بأناملي الضعيفة للانتقام منها، فيساعدني في أخذ الثأر والبسمة المطمئنة مرتسمة على وجهه الوقور.‏

كيف مرّت تلك الأيام يا أبي ولماذا حملت الأرض عصا الانتقام منك ألأنها عاجزة عن الانتقام منّي اليوم؟‏

لم يستطع المرض أن ينشب أظافره فيّ وأنا في هذه السنّ، فاتجه إليك ونسيت أنّ الآلام التي شقّ بها قلبي حزناً عليك تفوق في أعماقي ذلك الألم الحسيّ الذي تشعر به.‏

إنه الأمل النفسيّ الذي يحفر مساربه العميقة في كلّ شريان من شرايين الجسد، وينتقل بعد ذلك إلى الروح ليحفر فيها مسارب أعمق وأدهى.‏

انتقم الزمن مني شرّ انتقام وعذبني بك فيا للأيام ما أقساها ويا للزمن ما أشدّ جبروته.‏

لكنّ الألم النفسيّ المزلزل الذي شتت روحي شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً لن يثنيني عن الدخول في مواجهة شرسة مع الألم الذي يحاول تدمير جسدك الطاهر وسأعلن انتصاري عليه عمّا قريب بما أملك من سلاحين سيكونان العامل الأول في نصري الكبير: إيماني العميق بالله الشافي والشافي من أسمائه الحسنى جلّ وعلا؛ وإيماني بمحبّتي لكلّ ذرة تراب دستَ عليها فأورقت فلاً وورداً ونقاء سيرة وصفاء سجيّة.‏

سأغالب أشجاني وأصرّ على انتزاع الألم الجبّار من جسدك الطاهر بيديّ الضعيفتين اللتين تكتبان وهما تساعدانك على مواجهة بطشه القاسي أجمل قصيدة وفاء.‏

دمتَ يا أبي نسراً يرود القمم السامقة ويهزأ بما حوله من رياح عاتية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية