فهل تساهم الجوائز الأدبية في دعم الأدب أم في تدهوره لأنها تجعله ملحقاً بجهة ما، هي غالباً مؤسسة حكومية.
اعتبر الشاعر والروائي العراقي فاضل عزاوي أن فكرة مكافأة الكاتب على عمله، بإعطائه جائزة، هي فكرة جيدة، وتدعم الوضع المعنوي والمادي للكاتب، لكن ما يحدث أحياناً أن الكاتب يقدم تنازلات للجهة التي تمنحه الجائزة، وأن النظام السياسي يحاول أن يجعل الكتاب أبواقاً له، فثمة كتّاب مكرسون لخدمة النظام، ويجب أن نذكر موقف الكاتب صنع الله ابراهيم الذي رفض جائزة الدولة، وهي جائزة مهمة تقدمها الحكومة المصرية، ويرى الكثير من المثقفين أن الجوائز تسيء للكاتب لأنها إما جوائز تمنح من قبل الحكومات، وبالتالي هي جوائز قمعية لحرية الكاتب، لأنها تجعله مرتهناً ومرتبطاً بالنظام السياسي، أو جوائز يقدمها رجال الأعمال، وهي جوائز تحوم حولها الكثير من علامات الاستفهام، خاصة أن لدى معظم هؤلاء علاقات تجارية ومصالح مع اسرائيل.
ويرى الروائي المصري مكاوي سعيد، أن الجوائز تفتح مجالاً للنشر أمام الكاتب، وتسهل علاقته مع الناشرين ، فروايته «تغريدة البجعة» التي وصلت إلى قائمة بوكر عام 2007 قفزت مع طبعتها الثالثة إلى الطبعة التاسعة حال وصولها إلى بوكر .. وصارت علاقته مع الناشرين أسهل.
أما الكاتب الفلسطيني ابراهيم نصر الله فيعتبر أن ثمة جوائز نزيهة تماماً وتتمتع بمصداقية عالية مثل جائزة العويس التي حصل عليها، والتي أهدته عشر سنوات كتابة حسب تعبيره لأنها أمنت له وضعاً مادياً مريحاً ساعده على التفرغ للكتابة.
لكنه رفض العديد من الجوائز في الأردن ، وقال : كيف سأقبل جائزة من نظام يقدمني للمحاكمة بسبب ما أكتب؟!
أما عن الترجمة فيقول نصر الله :على الكاتب الاسرائيلي أن يتذكر كي يصل إلى العالمية وعلى الكاتب الفلسطيني أن ينسى كي يصل إلى العالمية.
لكن من أروع الندوات وأكثرها عمقاً كانت تلك التي تم فيها الحوار بين الكاتب والمترجم، والكاتب المبدع والمتميز هو ابراهيم الكوني، ومترجمه إلى الألمانية هارتموت.
فالمترجم هو البطل المجهول، وهو الذي ينقل روح العمل من لغة إلى لغة.
ويتحدث ابراهيم الكوني عن رأيه بالترجمة، فيقول: من الأفضل ألا يترجم أي عمل للكاتب بدل أن يترجم ترجمة سيئة، فالترجمة السيئة تعني أن الكاتب حكم على نفسه بالإعدام ، وسوف تجعل القارئ يفقد ثقته ليس بالكتاب، إنما بالمؤلف، وذكر معاناته في بداية مشواره الأدبي مع الترجمة، فإحدى المترجمات التي قامت بترجمة إحدى رواياته إلى الإيطالية، ترجمت عبارة العهد القديم، بعبارة الأساطير الشعبية القديمة، فعلى المترجم أن يكون مثقفاً وعارفاً بالديانات والمعتقدات للغة التي يترجم منها، وترجمة روائي مثل ابراهيم الكوني صعبة للغاية، لأن لغته تتحدث عن الميتافزيقيا، أي علاقة الإنسان مع الكون ، وبحثه الأبدي عن الفردوس المفقود، ولديه كتاب رائع هو (البحث عن المكان الضائع) وهو جواب أو ملحق لرواية بروست الشهيرة (البحث عن الزمن الضائع) ويرى الكوني أن الزمن الضائع هو الموت، وعندما نموت نحمل زماننا معنا، فالزمان هو شهادة موت، ونحن نموت كل يوم، وكل لحظة ، وكان على مترجم مبدع مثل هارتموت أن ينقل فلسفة الكوني، وفلسفة قبائل الطوارق إلى الألمانية، وأن يبدع كلمات تعبر عن روح الصحراء، فالصحراء لدى الطوارق هي رمز يستخدم لقول شيء ما، وعالم الطوارق له ديانته وتاريخه ورموزه، وهو منطقة تقاطع بين شمال افريقيا وجنوبها، أي أنه ثقافة افريقيا السوداء، ويرى الكوني أن على المبدع أن يتمتع بروح رسالية أي روح الواجب، وهو يؤمن بما يقوله (كانت ) إننا لا نولد في هذا العالم كي ننال السعادة بل لكي نؤدي الواجب.
والواجب كما يرى الكوني هو الأخلاق ، ويرى أن الناموس الأخلاقي هو بديل للدين فواجبي نحو الآخر أن احترمه وأحبه.
أما ندوة الأدب النسائي التي شاركت بها الروائية سحر الموجي والكاتبة منصورة عز الدين ، والكاتبة السعودية رجاء صانع، وأنا من سورية، وكان مدير الندوة الإعلامي والروائي السعودي هاني نقشبندي، فقد أثارت جدلاً وحماسة لدى الجمهور، نظراً لتنوع شهادة كل كاتبة، وللحيوية التي يخلقها محاور مبدع مثل هاني نقشبندي، وقد حققت هذه الندوة أعلى نسبة حضور، وتلاها حفل توقيع أعمال الكاتبات..
وللأسف لم يكن بالإمكان الإحاطة بكل الندوات، لأن عدة نشاطات ثقافية كانت تتم في وقت واحد، لكن كل نشاط كان يعقبه حفل توقيع كتاب للكاتب أو المحاضر، ورغم شهرة الكتاب العرب والإقبال على كتبهم، فإن نظرة واحدة للناس المصطفين أمام كاتب عربي، ومقارنتها مع هؤلاء المنتظرين توقيع كاتب انكليزي مثل أنتوني هوروتيز الذي يكتب للأطفال ويونغ تشانغ من الصين، تصيبنا رغماً عنا بالإحباط، فمقابل عشرات الأشخاص يحملون كتاباً لكاتب عربي هناك المئات يقفون في طابور طويل منتظرين توقيع الكاتب الأجنبي، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على علاقة الإنسان الغربي بالكتاب، فهي علاقة وثيقة وأساسية كالخبز اليومي، أما علاقة الإنسان العربي بالكتاب فلا تزال علاقة ضعيفة وغير حميمة..
وأخيراً ، لا بد من توجيه الشكر العميق لمؤسسة طيران الإمارات.. لأن هذه الاحتفالية التي ضمت نخباً ثقافية وفكرية من العالم، وهذا اللقاء الجميل بين الغرب والعالم العربي، إضافة لمعرض الكتاب العربي والأجنبي المرافق، كل تلك الأمور تعزز الثقافة ، وتفتح آفاقاً جديدة للحوار وفهم الآخر ومعرفته ، ونحن بحاجة ماسة كي نفتح حوار فكرياً وحضارياً وثقافياً مع الغرب، وليس أفضل من الكتاب سفراء الانفتاح والتطور لبلادهم.