من جميع أدباء ومشاهير عصره، وهو في سبيل هدفه الأسمى الأثير على قلبه، أقدم على مدح فؤاد ملك مصر، وكان يمني نفسه بمكانة مرموقة من وراء كيل الثناء، لكنه أخطأ الحساب ولم يحظ بشيء من التكريم والحفاوة، لكثرة عدد الشعراء الذين نظموا قصائد المديح الموجهة إلى الملك الراحل، فاختلطت القصائد والمواقف التي يفوح منها رائحة التكسب والتملق.
ومن أمنياته التي لم يكتب لها النجاح، أن جامعة القاهرة أعلنت عن جائزة مالية مغرية، لمن ينجز لها دراسة في تاريخ آداب اللغة العربية، تكون صالحة لتلقى على طلاب السنة الأولى في كلية الآداب، فاجتهد بدأب وصبر عجيب على تحرير موضوعات هذا الكتاب، وبذل جهوداً مضنية، لكن الأديب جرجي زيدان حصد الجائرة المغرية تحت أنظار الرافعي.
أما الوصف الذي يروق له، فهو نعت نفسه بالحمق كلما أخطأ أو ارتكب هفوة، والغريب في الأمر أن الرافعي لم يكن يسمح لأحد أن يردد هذه الكلمة بحقه، بل كان يلح أن هذا النعت ماركة مسجلة له ومن حقه وحده، وفي الموقف الذي يريد، وكلما استدعت الضرورة يقول بصوت عالٍ، دون تلعثم: إني أحمق.
ومن حماقات الرافعي، إذا صح التعبير، توهمه أن الأديبة الشهيرة مي زيادة، قد وقعت في حبه، وإن كانت تتحرج في إعلانه للناس، لكيلا تتأذى مشاعر زوجة الرافعي، ولكن احتمال وقوع مي زيادة في حبه مستبعد جداً، على حد تعبير الأديب المؤرخ وديع فلسطين، لأنه كان يعمل في وظيفة متواضعة، هي وظيفة كاتب في محكمة طنطا ،و يتقاضى حفنة من الجنيهات في كل شهر، فلما جاءته علاوة مقدارها خمسون قرشاً مصرياً، حسب القوة الشرائية للجنيه المصري آنذاك، كاد صوابه يطير، فضلاً عن أنه كان يعاني من الصمم الكلي.
بقي أن نذكر أن كتاب «وحي القلم» للرافعي، يعد بحق أعظم مؤلفاته، فقد جمع فيه كل خصائصه العقلية والنفسية، ففيه خلقه وشبابه وعاطفته، وفيه تزمته ووقاره، وفيه فكاهته ومرحه، و فيه بلاغة وصنعة وسلاسة غير معهودة في النثر العربي، حتى إن القارىء ليصاب بالدهشة والحيرة معاً، وهو يتابع بشغف بعض موضوعات وقصص هذا الكتاب، الذي قال فيه الزعيم سعد زغلول «بيان كأنه تنزيلٌ من التنزيل، أو قبسٌ من نور الذّكر الحكيم».