وتعرض أحياناً وكأن التأمين المذكور يوشك أن يتجسد واقعاً، تكرر الحديث عنه وطال انتظاره. وعبثاً تحاول التفريق بين ما تحمله وسائل الإعلام من تصريحات وآراء معنيين، على مدى العقدين الماضيين على الأقل، فهي تتشابه ، وأحياناً تتطابق، سواء لجهة الأهمية القصوى للتأمين الزراعي وضروراته، وحاجة الفلاحين الملحة للاستفادة من حمايته، ناهيك عن التنويه بقطاع الزراعة و اهميته بين القطاعات الاقتصادية الأخرى..
غير أن حرارة الحديث عن التأمين الزراعي وتصعيد اللهجة القاطعة عنه يبدو أكثر وضوحاً كلما واجهت بعض الزراعات في منطقة أو أكثر عوامل مناخية أو ظروفاً طبيعية قاسية، تكون نتيجتها أن تودي بالمحاصيل الزراعية المأمولة و تهدر جهد المزارع و تفقده رزقه، وعندها تتعلق أمال الذين لحقت بهم هذه الأضرار على مبادرة الحكومة و كرمها في إقرار تعويض غالباً ما يكون جزئياً أو رمزياً، وفي كثير من الأحيان يمتد اهتمام الحكومة إلى إعفاء الفلاحين المتضررين من الغرامات و الفوائد المترتبة على قروضهم الزراعية، وتأجيل تاريخ استحقاقها لعام أو مثل ذلك.
وللاجراءات الحكومية أثرها الإيجابي وربما تحقق فائدة على مبدأ(ليس بالإمكان أكثر مما كان)، لكن هذه الإجراءات يعقبها خفوت الحديث عن التأمين الزراعي حتى يصل إلى الصمت شبه الكامل ليس من قبل وسائل الإعلام والجهات الحكومية ذات الشأن، بل وحتى من التنظيم الفلاحي الذي يفترض بأنه المعني بالدرجة الأولى، فربما أعيته المحاولة و تكرارها وتولد لديه إحساس باليأس منها.
المهم أنه عندما تحل موجة الاهتمام الموسمي بالتأمين الزراعي، تشكل بفعل ذلك لجان مهمتها دراسة الموضوع برمته، ووضع التصورات الملائمة له، وتستجيب هذه اللجان رغم غياب مستلزمات الدراسة التي كلفت بها، ورغم انعدام التوجيهات الأساسية المحددة لإطار عملها، وافتقادها الوضوح في المقصود من التأمين الزراعي، ومن هي الجهة التي ستقوم بهذا الدور وهل يتم ذلك من خلال صندوق دعم للمزارعين في حالة الخسائر التي تسببها كوارث الطبيعة ،وهذا بطبيعة الحال واجب الحكومة بحكم دورها السياسي و الاجتماعي، أو يترك الأمر لقطاع التأمين التجاري دون تحديد كيفية ممارسته وأولوياتها و شروطها ونقطة انطلاقها.
وهكذا تستنبط الدراسة أو الدراسات نتائجها دون مقدمات، وتحدد اقتراحاتها دون أبعاد أو خيارات أو بدائل أو أهداف مرحلية أو نهائية، و على هذه الأرضية تم ترشيح« البندورة» لتحظى بأولوية التأمين الزراعي، ومع كل التقدير والمحبة لهذه المادة و لاستهلاكها اليومي المتكرر، فإنه يبدو أن لا مناص من عودة الحكاية إلى بدايتها أو إلى ما قبل البداية.