فتستغرق هذه المهمة 10سنوات؛ لكن ترتيب هذه الأوراق ثم ترجمتها إلى لغة مقروءة و تصنيفها و نشرها في كتاب ضخم يستلزم 40 سنة إضافية . و هكذا، إلى أن تتم هذه المهمة، أخيرا، و نجلس لقراءة ذلك الكتاب من أوله إلى آخره. يحتوي هذا الكتاب على قصص عن ماضي و حاضر و مستقبل الجنس البشري، بدءا بأصول الحياة و وصولا إلى وصفة لعلاج مرض السرطان...
يا لها من قصة خيالية مستبعدة الحدوث. لكن هذا هو تماما ما حدث مؤخرا... فبعد 50 عاما من التحضير، يمكننا فجأة أن نقرأ قصة الجينـات البشـرية كامـلـة.وهي الجـيـنـوم. وهو مشروع بحثي بدأ العمل به رسميا في عام 1990 ، وقد كان من المخطط له أن يستغرق 15 عاما ، لكن التطورات التكنولوجية أدت إلى تسريع العمل به حتى انتهى قبل الموعد المحدد له. ففي الرابع عشر من أبريل ،أعلن عن الانتهاء من المشروع بدقة تبلغ 99.99% قبل سنتين من الموعد المتوقع ، بحيث توافق ذلك الموعد مع الذكرى الخمسين لاكتشاف واطسون وكريك لبنية الحلزون المزدوج للدنا. وقد تمثلت الأهداف المعلنة للمشروع فيما يلي: التعرف على الجينات التي يحتوي عليها الدنا DNA البشري ، وعددها 100,000 جين تقريبا تحديد متوالية القواعد الكيميائية التي تكون الدنا DNA البشري وعددها 3 بلايين.تخزين هذه المعلومات على قواعد للبيانات تطوير الأدوات اللازمة لتحليل البيانات. دراسة القضايا الأخلاقية، والقانونية ، والاجتماعية التي قد تنتج عن المشروع ومع اكتشاف العلماء لغوامض ومكنونات الجينوم البشري، يزداد وضوح كون العديد من الأمراض التي نصاب بها نحن البشر ، وحتى استجاباتنا للعوامل المُعدية ، تتأثر بصورة كبيرة بتركيبتنا الجينية. ومن هنا يمكننا الاستنتاج بأن هذه المعرفة المتنامية تمتلك إمكانية طبية هائلة لتحسين كل من نوعية ، وطول الحياة البشرية.
وأول هذه المجالات تأثيرا على المجتمع ستكون تلك القضايا المتعلقة بالاختبارات الجينية ؛ فقد تم بالفعل تطوير التقنيات اللازمة لتفسير وظائف العديد من الجينات البشرية الفوائد المرجوة من دراسة الجينوم : يتيح مشروع الجينوم البشري فوائد جمة للبشرية ، يمكننا توقع بعضها بينما سنفاجأ بالبعض الآخر.
مثلا تحسين تشخيص الأمراض. - الاكتشاف المبكر للاستعداد للإصابة بالأمراض الوراثية. - المعالجة بالجينات وأنظمة التحكم بالأدوية. - علم جينوميات الأدوية لتصميم أدوية تستهدف أمراضا وراثية بعينها .
وأيضا الجينوميات الجرثومية مصادر جديدة للطاقة والوقود الحيوي - مراقبة البيئة لاكتشاف الملوثات. - الوقاية من الحرب البيولوجية والكيميائية. - التخلص من النفايات السامة بطرق مأمونة وفعالة في الوقت نفسه. - فهم القابلية للتعرض للأمراض والكشف عن الأهداف الحيوية التي يجب أن تستهدفها الأدوية الجديدة وتقييم الضرر الصحي والمخاطر الناتجة عن التعرض للإشعاع ، بما فيها التعرض لجرعات إشعاعية منخفضة. - تقييم الضرر الصحي والمخاطر الناتجة عن التعرض للكيماويات المطفرة والسموم المسببة للسرطان. وتقليل احتمالية التعرض للطفرات الوراثية.
الدراسات السكانية والأنثروبولوجية: أي دراسة التطور عبر طفرات الطريق الجنسي في السلالات البشرية المختلفة.و دراسة أنماط هجرة المجموعات السكانية المختلفة استنادا إلى التوريث الجيني للإناث- ودراسة طفرات الكروموسوم لتتبع سلالات وأنماط هجرة الذكور . لكن المخاطر المحتملة للأبحاث في مجالات الهندسة الوراثية ، عندما تصبح المنابلة الجينية إجراءً دقيقا، سيواجه الآباء المتوقعون بمجموعة واسعة من الاحتمالات. سيرغبون ، بطبيعة الحال، في أن يتأكدوا خلال المرحلة الجنينية لنسلهم، من قيام المعالجين بالجينات بتصحيح أية مشكلات قد تنشأ بسبب وجود جينات معيبة. وقد يطلب الآباء أيضا من أولئك المعالجين رفع معدلات ذكاء أطفالهم؛ أو إضافة بضع بوصات إلى أطوالهم؛ أو منحهم قدرات رياضية متفوقة، أو شعر مجعد، وعيون زرقاء، وبشرة متوافقة مع أحدث صرعة. - من المرجح أن تكون احتمالات عملية التحويل الوراثي واسعة، لكن ذلك سيكون متاحا فقط للآباء الأغنياء. ولن يكون الحصول على « الأطفال التفصيل» ميسور التكلفة بالنسبة للمواطنين العاديين . ومن الممكن أن يسبب وجود نوع خاص من الأشخاص الذين يفترض ، منذ ولادتهم ، أنهم « متفوقين « ، مشكلات اجتماعية خطيرة؛ ويمكن أن تحظى المعالجة الوراثية بقبول عام أوسع إذا أمكن منع احتمال توافرها فقط كمعالجة مميزة للأغنياء وحدهم.وعلينا أيضا أن نضع في اعتبارنا تأثيرات الهندسة الوراثية في المجالات الاجتماعية والسياسية. ونظرا لأن الفوائد الطبية للهندسة الوراثية باهظة التكاليف، لن يتمكن الأفراد الفقراء ، ولا الأمم الفقيرة من تحملها- على الأقل خلال السنوات القليلة القادمة. ونتيجةً لذلك، فمن المرجح أن تتسع الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء.
المضامين الأخلاقية للهندسة الوراثية البشرية: برغم الفوائد المحتملة الكثيرة التي يمكن أن تجنيها البشرية من تقنيات الهندسة الوراثية البشرية، إلا أن هناك مخاوف وتساؤلات كثيرة تثيرها هذه التقنيات ؛فما هو مصير الأسرة هل هذه المؤسسة ستحتفظ بمعنـاهـا وشكلها الحالي ؟أم أن المستقبل سيحمل صورة جديدة لأسرة مختلفة تماما ؟ وإذا استطاع العلماء أن يختصروا مدة الحمل في أجهزة -خارج الرحـم -فـهـل هذا يعنى أن معنى الأمومة تغير ؟ ماذا سيحدث له ؟بل ماذا سيحدث لصورة الأنثى في المجتمعات التي نشأت منذ بداية وجود الإنسان على فكرة أن رسالتها الأساسية فـي الحـيـاة هـي حفظ وتنمية الجنـس البشري؟ ما الذي يمكن أن يحدث لو أن العلماء توصلوا إلى نتائج خاطئة أدت إلى تشكيل مخلوق لا يمكن التخلص مـنـه أو أن جـرثـومـة خـطـرة خـرجـت مـن المختبر وتكاثرت بسرعة وأدت إلى نشر وباء في العالم يمكن أن يقضي على البشرية كلها ؟ثم إلى أي حد يمكن أن يصل العلماء في كشفهـم عن أسرار الحياة البشرية؟هل يمكن مثلا تخليق الحياة نفسها ؟ومن هو الشخص أو المؤسسة التي لها الحق في تقرير ما إذا كانت تجارب العلماء آمنة أو تحمل طابعا أخلاقيا؟ وإلى أي حد يمكن لتلاعبنا بالجينات وتحكمنا فيها أن يؤثر على نظرتنا لأنفسنا وموقعنا في هذا الكون؟ لقد وجد الإنسان نفسه يتحول إلى مجرد مجموعة من رموز وراثية يمكن عن طريق حلها معرفة تكوينه الوراثي ومن ثم السيطرة عليه .وهذا يعنى أن قدسية حياته وأسرارها أصبحت عرضة لأن تنتهك وقد جادل البعض بأن الدنا يشبه «دفتر يوميات مستقبلي» لأنفسنا (لأنه يحتوي على المعلومات المتعلقة بحالتنا الصحية الحاضرة والمستقبلية)،ولذا فإن حقنا في حمايته من «القراء» غير المرغوبين يعد أمرا حتميا من أجل المحافظة على سيطرتنا التامة والمستقلة على المعلومات الشخصية والحساسة لكل منا .