وبغض النظر عما تقدمه فان طه حسين يستحق الاحتفاء به في كل انحاء الوطن العربي يقول محرر اخبار الادب المصرية
خلال أيام قليلة تحديدا في أكتوبر القادم، تمر 40 عاما علي رحيل عميد الأدب العربي طه حسنين. وقد لا تلتفت المؤسسة الرسمية لمثل هذه المناسبة في مثل هذا التوقيت الذي ينبغي علينا فيه أن نستعيد ذكري العميد ونطرح الأسئلة التي طرحها. وحدها مؤسسة محدودة الإمكانيات مثل ورشة الزيتون التي يديرها ويشرف عليها الشاعر شعبان يوسف التي أدركت مبكرا أهمية استعادة أفكار طه حسين وسوف تخصص هذا الأسبوع ندوة بعنوان «دفاعا عن طه حسين» لمناقشة بعض من أفكاره الغزيرة والثرية.
لقد كان مشروع العميد الفكري والثقافي مناقضا لمشروع رجل آخر في عصره هو حسن البنا.. ورغم أن أفكار طه حسين تم تهميشها أو التعامل معها بسطحية، لا تزال الأفكار التي طرحها في كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» علي سبيل المثال صالحة لإثارة الدهشة والتفكير، بل لقيت هذه الأفكار تهميشا، ومحاربة من كل السلطات علي العكس من أفكار البنا التي تركت لها السلطة المجال لتنمو وتتزايد، سواء عن عمد أحيانا وعن جهل وغباء أحيانا أخرى.. حتي وجدنا أنفسنا مؤخرا أمام سلطة «البنا» الذي يحكم من قبره شعبا في حالة ثورة. اختبر الشعب أفكار البنا.. وخرج معلنا أن مكانها الرئيسي هو «صندوق الزبالة»، لا تصلح لتحكم شعبا...
ولكن هل يمكن أن تترك السلطة أيضا المجال لأفكار العميد، تختبرها مرة واحدة.. سلطة لا تردد من هذه الأفكار سوي مقولة العميد الشهيرة «التعليم كالماء والهواء».. ولكن على مستوى التطبيق لا نجد تعليما، ولا فكرا، ولا ممارسة ديمقراطية.. ولاقدرة على الشك في أي شيء!
ربما لهذا يظل طه حسين مخيفا لكل سلطة، بل إن تمثاله نفسه مخيف لهذه السلطة، ومن هنا يمكن أن يخرج البعض ليشوه التمثال.. أو سرقته كما حدث في المنيا منذ شهور قليلة. سرقة التمثال أبلغ عنها مواطنون عاديون ربما لأن العميد يرتبط في الخيال الشعبي بالقدرة على تخطي الصعاب، ومحاولة فتح جدران من النور في الشارع، ربما لإحساس الشارع العادي أن العميد جزء من تاريخهم الشخصي. لهذا أبلغ المارة العاديون عن سرقة التمثال الذي اعتادوا أن يجدوه في السنوات العشر الأخيرة أمام المحافظة.. معتبرين ذلك محاولة اغتيال جديدة لعميد الأدب العربي باقتلاع رأسه من النصب التذكاري الهرمي الذي يزين ميدانه في كورنيش مدينة المنيا. محاولة تشويه العميد لم تقتصر فقط على ماجرى له على يد الإخوان، بل قام بها أيضا وزير الثقافة الحالي صابر عرب، حيث افتتح منذ شهور متحف العميد بعد التجديد، ولم يكلف نفسه أو مكتبه بالاتصال بأحد من عائلة العميد لكي يكون حاضرا الافتتاح، أسرة العميد ذهبت بشكل منفرد لمشاهدة المتحف وتجديداته, لتكتشف كوارث عديدة، أهمها: تبديل غرفة طه حسين بغرفة زوجته سوزان. كما حكت لنا حفيدته مها عون: كانت غرفة العميد بسيطة، وضيقة، بينما غرفة جدتي متسعة، مسؤولو المتحف قالوا لا يصح أن تكون غرفة العميد أضيق من غرفة زوجته، حاولت إقناعهم أنها صممت خصيصا له لكونه كفيفا.. ولكن مسؤولي الوزارة لم يقتنعوا، كارثة أخرى حكتها مها: جدتي كانت مسيحية، وكان لديها صليب تعتز به، وضعته على سريرها.. ولكن وزارة الثقافة رفضت أن تضع الصليب مكانه، لأسباب دينية بحتة.. وهذا لا يليق، الكارثة الأكبر أن عائلة العميد تركت كل كتبه في بيته وطلبت إتاحتها لكل الباحثين، ولكن وزارة الثقافة تعتبر هذه الأعمال سرية حتى للباحثين لا يجوز الاقتراب منها.. إلا بشروط قاسية وهذا ما ترفضه العائلة. أي إن سرقة طه حسين لم تتم فقط في المنيا، وإنما أيضا في وزارة الثقافة. لا ننتظر من الوزارة احتفالية تدعو فيها باحثين للحوار فيما بينهم.. بل ننتظر منها مبادرات لنشر أفكار العميد.. تتبناها كل الوزارات المعنية.. حتى لا نظل نشكو من الإرهاب
وحتى يحدث ذلك نتمني أن تقوم محافظة الجيزة أو وزارة الثقافة بتنظيف تمثال العميد المقام أمام شيراتون القاهرة.. والذي لم تمتد إليه يد للعناية به منذ سنوات!
Yomn.abbas@gmail.com