تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كيف يرونها حين تدافع عن نفسها ..؟!

مجتمع
الثلاثاء 17-9-2013
فؤاد مسعد

استدارت فجأة نحو الخلف وصفعته على مرأى من الجميع وسط الشارع ، لقد ظن عندما تحرش بها أنه سيرضي غروره وتمر فعلته بسلام لا من عرف ولا من رأى

لكنه لم يدرك أن الكثير من الفتيات أصبحن اليوم يتسلحن بالشجاعة والوعي وقوة الشخصية ، ويعرفن كيف يدافعن عن أنفسهن جيداً .. حسب أنها الضعيفة وهو القوي وإذ بالموازين تنقلب وبالمواقع تتبدل ، فهي أكملت سيرها بثقة رافعة الرأس بينما هو تجمّد في مكانه للحظات مذهولاً غير مصدق ما جرى ، لا يدري كيف يلملم شتات كرامته التي بعثرها على قارعة الطريق ، فما كان منه إلا أن أسرع هارباً ملتفتاً خلفه وعيون المارة ترمقه بنظرات ملؤها السخرية والشماتة وتطارده ألسنتهم بعبارات التهكم والتقريع .‏

هي حادثة حقيقية جرت وربما تجري في أكثر من مكان ، هناك من يشجعها ويؤمن بأهميتها ، في حين نفاجأ أن هناك من يسخر منها ويعتبر من قامت بهذا الفعل فتاة فاقدة للأنوثة قد ارتكبت عيباً على أنثى أن تقوم به وكان الأجدى بها السكوت ولملمة فضيحتها مستسلمة لقدرها لأنها بنظره هي (الأضعف) وينبغي ألا تكون (سيرتها) على كل الألسنة فالموضوع هنا موضوع (شرف وعرض) ، ولكن هذه النظرة الساذجة للأمور تشكل في مضمونها نظرة بائدة لم يعد لها مكان في عالم يتطور بسرعة أخذت فيه المرأة دور القيادة شأنها شأن الرجل ، فكفة الميزان باتت تميل نحو الأفضل بغض النظر عن الجنس أو عن أي شيء آخر ، وأصبحت المرأة قادرة أن تدافع عن نفسها وكيانها ووجودها في مختلف المجالات وليس من حادثة تحرش طارئة في الشارع من شاب مازال يبحث عن هويته ومكانه في المجتمع .‏

فعل التحرش ينطلق في مضمونه وعمقه من فلسفة الكبت وآلية التربية التي نشأ عليها المرء في مجتمعه ، وكيفيه تعامله ونظرته للجنس الآخر ، هذه النظرة التي تبقى قاصرة عند البعض والتي عادة ما تكون مستقاة من العائلة قبل كل شيء ومن ثم المدرسة والمحيط ، وبالتالي درجة الوعي تلعب دورها الإيجابي وفي غيابها تغيب الكثير من المفاهيم والقيم ، وأكثر ما تظهر مثل هذه التصرفات (الشاذة) ضمن البيئات التي تعاني الكبت والمتخلفة فكرياً وثقافياً والتي قد يتحول فيها الشاب في لحظة إلى إنسان غريزي (غير عاقل) ، خاصة إن اقترن ذلك كله مع النظرة الدونية للمرأة . ولكن في مجتمع بات يساوي بين المرأة والرجل يتم وبشكل عفوي خلق حالة ضبط لهذه الظاهرة ، لأن هناك عوامل مساعدة تفرض هذا الضبط ، منها التعليم والمجتمع والسلوك والمعرفة وآلية نظرة كل من الشاب والفتاة للآخر . واليوم باتت الكثير من الفتيات يمتلكن الشجاعة الكافية لرد أي اعتداء أو محاولة للانتقاص منهن أو من كرامتهن ، وعندما تقترن هذه الشجاعة بالوعي فمعنى ذلك أنها تستطع الدفاع عن نفسها بالشكل المناسب .‏

المصيبة أن ما لا يفهمه بعضهم اليوم أن المرأة لها دورها الفاعل في المجتمع ، فهناك من يصر على تقزيمها فلا يرى منها إلا أنها (أنثى) فقط ، وليس لها أي دور في الحياة إلا أن تكون (أنثى) ، بينما في الحياة العملية باتت صنواً للرجل فهما في النتيجة جناحا المجتمع ، والسؤال .. هل ينهض البازي إلا بجناحين قويين ؟..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية