مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» للكاتب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس، هي أول نص عربي يترجم للغة الفرنسية وتقدمه فرقة المسرح الفرنسي «لاكوميدي فرتنسيز» الفرقة التي نشأت سنة 1680 اختارت هذا العام (2013)، وبمناسبة الاحتفاء بمرسيليا بروفانس عاصمة للثقافة الأوروبية، إخراج المسرحي الكويتي سليمان البسام..
العرض الأول للمسرحية في نسختها الفرنسية بمسرح الجيمناز بمرسيليا في 29 نيسان الماضي، وتتواصل عروضها في مسارح فرنسا خاصة باريس حتى نهاية العام الجاري.
لماذا سعد الله ونوس الآن وهنا عن هذا السؤال أجابت مديرية فرقة المسرح الفرنسي سوريال مايات قائلة: «الرجل ابن البحر الأبيض المتوسط، ونتاج خليط ثقافات، انصهرت فأبدع وتميز. فونوس ولد في سورية 1941، ودرس المسرح في فرنسا، وعرف شخصياً الكاتب الفرنسي جان جينيه، كما استفاد من تقنيات المسرح العربي ومن تجارب كتاب تركوا بصمات على مسيرة المسرح الحديث ومنهم صموئيل بيكيت وبوتولد تبرنخت».
النص حكاية تاريخية تعود إلى القرن الـ 19، كما وردت في مذاكرات فخري البارودي «تضامن أهل دمشق» وتتلخص في أن مفتي الشام كان على خلاف مع نقيب الأشراف بسبب سلوكه وجهله، وحين قبض قائد الدرك على النقيب في وضع مخز مع إحدى المومسات تناسى المغني عداوته معه، فاستبدل المومس بزوجة النقيب سرا، لمداراة الفضيحة، وهكذا أنقذ سمعة الأشراق، ودفع خصمه النقيب إلى الاستقالة لاحقاً.
يقول المخرج سليمان البسام: «ونوس كتب هذا النص وهو يدرك بأنه مريض، كان يعتقد بأنه لا يملك الكثير من الوقت، وكان راغباً في إيصال صوته إلى ما وراء الحدود، فالمسرحية كانت إحدى صيحاته الأخيرة التي نبه فيها إلى ما آلت إليه أحوال الخارطة العربية من احتضار وتمزق ونساء، هذا ما أثار حماس الممثلين حين اقترح عليهم العمل، ففيه من الإثارة ومن الرمزية ما يجعل التشخيص الأدائي للممثلين تحدياً كبيراً.
القصة، استعادة لحادثة من القرن التاسع عشر مرت وقائعها في دمشق خلال الحكم العثماني، أبطالها المغني والوالي ومومس، أي الثالث المحرم، الذين حولهم البسام إلى أبطال يتكلمون عن حادثة عربية لشخصيات عربية إلى شخوص فرنسية وبلغة موليير.. وهي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ «لا كوميدي فرانسيز».
الطريف في القصة عامة، والمسرحية خاصة استشراق ونوس لما يحدث في سورية وبقية الدول العربية. من خلال تنبؤ صارخ لما يجري الآن.
المسرحية في المجمل أداء وإخراجاً أتت منصهرة وروح المرحلة الزمنية (القرن 19) واللحظة الراهنة (2013) في إثبات أن المسرح يكون أولاً» يكون.. فالملابس وإن عكست زمن البلاط العثماني، فالحركة والأداء جاءا انصهاراً تاماً الآن، وهنا الراهنة والرهينة في آن، رهينة الإيديولوجيات، والإكراهات، والتمزقات، والدسائس فمن يحكم من، ومن سيد من؟ والغلية في النهاية لمن؟.
أسئلة تاريخية سرمدية أتت في المسرحية تحكي حياتنا الراهنة الملطخة بأدران السياسة وأهلها الذين عليهم قراءة التاريخ ألف مرة.. علهم يتعظون.
أرال سليمان البسام المخرج العربي الجديد عن المسرحية، ونجا بنفسه من فخ الاستشراق من خلال حفاظه المتوازن على روح النص وعدم تسطيحه، فأتى نصاً رمزياً، والسينوغرافيا مشبعة بثراء الإمكان في كل زمان ومكان، فالماضي يلاحقنا أينما كنا بتابوهاته الثلاث التي ما آن لها أن تختفي...!