فالمبادرة الروسية الخاصة بالتخلص من الأسلحة الكيماوية المزعومة التي تحتفظ بها سورية كان لها فعلها العجيب في تقويض مساعي أوباما لغزو سورية بحجة استعمال تلك الأسلحة في هجوم الغوطة المزعوم يوم 21 أب لعام 2013 .
وأن هذه المبادرة في الحقيقة لن تجرد سورية من سلاحها الكيماوي لكنها جردت البيت الأبيض من حيله وألاعيبه لتبرير التدخل في سورية وبالرغم من أن الفكرة قديمة ونوقشت من قبل الا أن التوقيت الذي اختاره الرئيس فلاديمير بوتين لعرضها في وقتها المناسب والملائم تماما لها جعلت منه صاحب أفكار خلاقة يحظى بتأييد دولي كبير خاصة لحيازته على دعم الأمم المتحدة لفكرته البناءة حيال الأزمة السورية .
وان الارتياح الذي أبدته الأمم المتحدة وأوروبا للفكرة أجبرت الرئيس الأمريكي على تلقي المبادرة الروسية بكثير من اللهفة خوفا من تبعات تدخل عسكري يرفضه الشعب الأمريكي ومرجحا أن يرفضه الكونغرس أيضا .
فروسيا التي طالما عارضت قرارات أممية بشأن ادانة سورية لقناعتها بأن الحكومة السورية بريئة من الاتهامات الموجهة اليها من قبل أمريكا والغرب ها هي اليوم تسهم في اعادة سلطة اتخاذ القرار الى مجلس الأمن وهو ما قد ينقذ منطقة الشرق الأوسط من الأحادية الأمريكية المعروف عنها اتخاذ القرارات الطائشة حيال كثير من الملفات فالقرار الطائش والصبياني الذي اتخذه الرئيس بوش الابن وغزوه للعراق لأسباب وأهداف غير معروفة بحجة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل تبين لاحقا زيف وكذب هذه الادعاءات الأمر الذي كبد الولايات المتحدة مليارات الدولارات وآلاف الضحايا من الجيش الأمريكي وأكثر من مئة ألف ضحية من المواطنيين الأبرياء العراقيين .
والذي جعل المصداقية الأمريكية في الشرق الأوسط محل شك وريبة دائما وأن تلك المصداقية ما زالت عالقة في رمال العراق ومن هنا تأتي عدم قدرة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على تنفيذ خططه في سورية مما قوض سلطة رئيس أكبر دولة في العالم داخليا وعسكريا وأن سورية ستظل حجر عثرة في طريق تنفيذ أوباما لخططه العسكرية في المنطقة كما أن الارتباك في السياسة الخارجية لأوباما ظهرت جليا في كلمته الأخيرة بمناسبة مرور 12 عام على أحداث 11 ايلول التي بدأها بتبرير ضرورة تنفيذ الضربة الأمريكية المحتملة لسورية تنفيذا للتهديدات التي قطعتها الولايات المتحدة لحلفائها الأوربيين للتصدي للاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا والتي تم تلفيق وفبركة الاتهامات فيها ضد سورية .
هذه الكلمة المتلفزة والموجهة للشعب الامريكي حول الأزمة السورية أظهرت وبالدليل القاطع مدى ارتباك أوباما وتردده تجاه سورية وهذا ما أكده الخبراء الدوليين الذين عرضوا أدلة مقنعة بالصور ومواد الفيديو عن الهجوم الكيماوي في ريف دمشق وأن تلك الصور كانت مفبركة من قبل قوات المعارضة المسلحة الذين افتعلوا هذا الحادث من أجل تبرير التدخل العسكري في سورية وذلك كان فخا وقع فيه أوباما ووقعت فيه الحكومات الغربية لوجود أدلة مقنعة سربها خبراء دوليون وعرضوها صورا ومواد فيديو تظهر فبركة واضحة لصور ضحايا الهجوم الكيماوي المزعوم في ريف دمشق يوم 21 أب وأن الخبراء الدوليين عرضوا خلال الدورة الرابعة والعشرين لمجلس حقوق الانسان في جنيف أدلة تشير الى أن الصور ومقاطع الفيديو التي عرضها مقاتلي المعارضة المسلحة يوم 21 أب لضحايا الهجوم الكيماوي في غوطة دمشق كانت مفبركة مسبقا.
حيث عرض المؤتمرون على الجمهور شهادات العديد من شهود العيان الذين أكدوا أن مقاتلي المعارضة هم من استخدم السلاح الكيمائي في الغوطة الشرقية . وتم تسليم نتائج التحقيق التي أجراها مختصون من ناشطين ومراسلين عملوا في سورية لمدة طويلة الى لجنة التحقيق الخاصة بسورية التابعة لمجلس حقوق الانسان.
يذكر أن جميع المشاركين في المؤتمر المذكور الذي جاء بعنوان التهديدات الأمريكية في استخدام القوة ضد سورية أكدوا أن تطبيق السيناريو العسكري في سورية والالتفاف على مجلس الأمن الدولي يعد خرقا سافرا للقانون الدولي وحذروا من أن التدخل الخارجي في سورية سيؤدي الى نشر النزاع خارج حدود سورية كما أنه سيؤدي الى هلاك عدد كبير من الناس وتصعيد العنف وتوسيع الأزمة لتشمل المنطقة بأكملها كما يمكن لضربة عسكرية محتملة على سورية أن تؤدي لاندلاع موجة جديدة من الارهاب في ظل وجود مجموعات متطرفة ومرتزقة يقاتلون في سورية قدموا من عدة دول وأن اطلاق عملية سياسية جديدة في سورية هو الحل الوحيد خاصة بعد المبادرة الروسية الأخيرة .
لأن الطريق السلمي هو الطريق الأمثل والأفضل لمساعدة الأعداد الكبيرة من المواطنين السوريين الذين غادروا أراضيهم هو منحهم فرصة للعودة الى بيوتهم وايجاد امكانية لوقف الحرب الدائرة في سورية واعادة اعمار البلاد كما كانت سابقا .
بقلم سايمون تيسدال