فبمهارة وحنكة منقطعة النظير استطاعت الدبلوماسية الروسية الرصينة والبعيدة النظر بمبادرة ذكية أن تسحب صاعق الانفجار من يد القرد الأميركي اللاهي ببرميل بارود العالم، وأن تنزل أوباما من أعلى شجرة التهديد بالعدوان على سورية، وأن تدوزن ضربات الطبل الأميركي وتعيدها إلى صوتها الطبيعي في عالم لم يعد يقبل أقطابه الجدد بأن تبقى أميركا زعيمة من دون منازع.
ومرة جديدة استعادت موسكو «لجنيف» مكانته وموقعه بعد أن حجبه ضجيج الحرب والتلويح بالعدوان، وأرغمت الأميركي على الانصياع إلى صوت المنطق والعقل والسياسة، بعد أن دارت برأسه حمى العسكرة والحرب، واعتقد لوهلة أنه يستطيع بقوته المفرطة وعضلاته الضخمة أن يفعل ما يشاء ومتى يشاء، فجاءت به موسكو إلى جنيف ليقرّ ـ مقتنعاً أو مشككاً ـ بأن الحل في سورية سياسي ولا يمكن أن يكون عسكرياً مهما عربد المتآمرون وعلا صراخهم وخابت آمالهم.
فمن جنيف وإلى جنيف مرة ثانية يجب أن يتجه المؤمنون بالسلام لإنضاج الحل السياسي الذي ينتظره السوريون، بعيداً عن لغة السلاح والحرب والتهديد بالعدوان، فما عادت أكاذيب الكيماوي واستخدام الكيماوي تنطلي إلا على الجهلاء والمغفلين، فهذه الذرائع سقطت ويجب أن تسحب من التداول إلى غير رجعة.
سيكتب التاريخ لروسيا أنها منعت حرباً ومهدت الطريق لصنع السلام، وسيكتب لها أيضاً أنها أعادت التوازن للعالم بعد عقدين من اختلال موازين القوة والسياسة والاقتصاد والتفرد الأميركي بشؤون العالم، وقد يكتب أيضاً أن سورية كانت سبباً لكل ما جرى..من يدري؟!