تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


(ثقافة العنف) .. تغزو أطفالنا عن طريق الرسوم المتحركة

فضائيات
الأحد 20/5/2007
دلال ابراهيم

ربما عالم الصغار في التلفزيون, وحصصهم ما تبثه الاقنية الفضائية, أو المساحات الصغيرة التي افردتها التلفزيونات الرسمية

من برامج وأفلام رسوم متحركة خاصة بهم, لم تحظ من البحث والدراسة والنقد والتعليق, ولو بنسبة ضئيلة جدا مما تحظى به برامج الكبار بكل تشعباتها وتعقيداتها ومزالقها الخطيرة.‏

ولم تحث أحدا من خبراء التربية ومسائل الطفولة الى اطلاق صرخة تحذير مما تعرضه تلك القنوات من أخطار وسموم على عقول النشء الجديد, الذي يفرض على أي متعامل معه التمتع بالحذر الشديد لحساسية التعامل مع هذه الفئة العمرية. طالما أن وعي الانسان يتكون في سنواته الأولى, من هنا فإن مسؤولية القنوات التلفزيونية في التأثير على هذا الوعي يجب ألا يستخف به أحد, لما من شأنها أن تساهم في تنمية معارف الطفل, أو القضاء عليها.‏

طبعا لا أحد ينكر أنه ومن أجل الدخول الى عالم الاطفال واعداد البرامج لهم, عدم تغليب المضمون الجاد على الترفيه, وإنما يوصى دوما بانتهاج سياسة لتطوير المضمون التربوي الترفيهي.‏

من يتابع برامج الرسوم المتحركة على التلفزيون, حالياً, سيكتشف فوراً, ودون عناء جهد أن السمة الغالبة عليها هي مظاهر العنف القائمة إما على شخصيات اسطورية خارقة لا تمت إلى الواقع بشيء, مثل سبايدر مان- بات مان- سوبر مان- سلاحف النينجا والجاسوسات وسواها, أو تلك المبنية على خيال علمي تصوري استباقي لما سيحدث في المستقبل بعد سنين عديدة أساسها الصراع دوما بين الخير والشر الأبدي, حلت بديلا عن تلك التي كان يفضلها الاباء والأمهات الحاليون مثل ريمي- هايدي- فلونة- ساندي بل- بيل وسباستيان- الكابتن ماجد- فلة, وسواها من المسلسلات ذات الصبغة الاجتماعية والانسانية القائمة على حكايات تغرس قيماً اجتماعية واخلاقية لدى الطفل, باتت لا نجد لها الآن متسعا في خريطة برامج الأطفال ولا حتى في قائمة البرامج الأكثر مشاهدة لدى الأطفال فقد انحرفت الذائقة العامة لدى الأطفال باتجاه أفلام رسوم متحركة لا علاقة لها بهذه الفئة العمرية البالغة الأهمية لا من حيث القصة ولا المضمون المبالغ بهما ولا من حيث الشخصيات الاسطورية التي تجعل الطفل يضع في مخيلته أن لا حل لأي مشكلات إلا عبر شخصية خارقة, أما سيناريو تلك الأفلام فقد تضمنت مصطلحات يحرص كل الأهل بالتأكيد إلى عدم استخدامها مع اطفالهم, وأقلها -أيها الأحمق- ضع حذاء في فمك- أنت ولد أشبه بحمار بائس- أو أنت حقير, وعبارات أخرى يخجل المرء من ترديدها, أو مصطلحات يجهل الأهل معناها, حين يسألهم اطفالهم مثلا ما معنى (التشاطر الذهني).‏

هذا ناهيك عن مشاهد عنف أشبه بتلك التي تتضمنها أفلام (الأكشن) المخصصة للكبار, والتي يذكرون عبارة (ينصح بعدم مشاهدتها من قبل الاطفال إلا برفقة أهلهم) قبل عرضها, كالضرب المبرح والركلات العنيفة, ومحاولات القتل الشنيعة, وأساليب الاذى والاحتيال الخبيثة, وكأن لا يكفي اطفالنا ما يشاهدونه من مناظر قتل وحروب وتدمير وانتهاكات وصراعات, وجثث موتى تذخر بها برامج التلفزيون الاخبارية. حتى بات اطفالنا لا تجذبهم البتة تلك التي تحرص على ابراز الطابع الاجتماعي -إن جاز التعبير فيها- فإن اضفنا الى المخاطر الآنية التي تشكلها افلام عنف الرسوم المتحركة على الطفل في محاولاته تقليد الابطال الخارقين فيها, وخوض صراعات عنيفة فيها الاذى لهم, أو تقليد حركات تنطوي على خطورة على حياتهم.‏

روت لي إحداهن, أنها انقذت طفلها, حينما شاهدته يضع وشاحا على ظهره ويهم بالصعود الى الشرفة والقفز مثل سوبرمان.‏

فقد اظهرت دراسات نفسية أن الاطفال الذين يشاهدون مناظر العنف يتصرفون بطريقة عدوانية أو بشكل مؤذ إزاء الآخرين.‏

كما أنهم يصبحون أقل حساسية إزاء الألم ومعاناة الغير, ويصبحون أكثر خوفا من العالم الخارجي المحيط بهم. وبحسب دراسة أميركية وبريطانية فإن الاطفال الذين يشاهدون العنف في افلام الرسوم المتحركة يبدون أكثر عنفا وعدوانية حينما يكبرون, وبالتالي ينبغي عدم الاستهانة بالتأثير الذي تتركه على تكون شخصية الاطفال.‏

وللأسف لم تحاول القنوات الفضائية ولا التلفزيونات الرسمية اعداد برامج تتصدى لتلك الرسوم المتحركة التي سيطرت على عقول أطفالنا لتنتزعهم من سحرها, بل تركناهم أمامها أشبه بحالة (ألقاه في اليم مكتوفا وقال له اياك أن تغرق) مجردين من أي سلاح ضد هذه الثقافة الغازية. وأكثر البرامج الهادفة التي توجهت الى الاطفال ولا سيما في تلفزيوناتنا عجزت عن استقطاب ولفت انتباه الاطفال, وتحفيزهم على متابعتها, عبر اغرائهم بالاتصال للحصول على جوائز يتضمنها البرنامج, ليقع حتى الطفل في شرك التوظيف المادي للبرامج, والالتحاق بركب تشغيل الشبكات الذكية وشركات الهواتف النقالة للتواصل بين الجمهور والتلفزيون ضمن عمليات احتيال مشرعنة, لم تنج من حبائلها حتى براءة الاطفال.‏

يجمع جميع الخبراء أن خير ما يقدم الى الطفل هو هذا (السلاح) الذي يعوده ألا يكون متلقيا سلبيا, بل يكون له رأيه وموقفه مما يرى ويسمع, وربما يعوز معدي برامج الاطفال لدينا متابعة ما تبثه قناة (الجزيرة للاطفال) من برامج تعلم الطفل التعبير عما يفكر به, وعدم الاكتفاء بالوعظ الاخلاقي (التي تحرص عليها مقدمات برنامج الاطفال في تلفزيوننا) وأن لا يكون سلبيا تجاه ما يمر أمامه, بل تحرك عنده الحس الابداعي, وتأخذه الى عوالم أخرى حيث يربط الامور ببعضها, ويرسم صورة خاصة به, تهيئه ليكون فاعلاً في مستقبله الشخصي, ومستقبل مجتمعه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية