ونظام الصواريخ المتنقل (لينكس) وهما صناعة إسرائيلية وقد تم بيعهما إلى الجيش الجورجي من قبل شركات الأسلحة الإسرائيلية وذلك بموافقة ومباركة من ايهود باراك.
لو أن هذا الحدث كان قد جرى في أيام أخرى غير أيامنا هذه لكان من الممكن أن تتفاخر )إسرائيل( بالنجاح التكنولوجي المتمثل في إنتاج هذين السلاحين ولكن الوضع مختلف هذه الأيام حيث تعصف بالمنطقة رحى حرب دائرة بين جورجيا وروسيا هذا البلد الذي تطالبه (إسرائيل)
بوقف دعمه لإيران.
لقد بدأت العلاقة الحميمية بين (إسرائيل) وجورجيا عام 2003 منذ أن تولت الحكومة الجديدة زمام الأمور في تبليسي, هذه الحكومة الموالية للغرب والتي معظم أعضائها من الجامعيين خريجي الجامعات الأميركية والأوروبية. لم تقتصر العلاقات بين البلدين على قطاعات التكنولوجيا والاقتصاد وإنما تعدتها إلى القطاع العسكري لدرجة أن الصادرات الإسرائيلية إلى جورجيا وصلت إلى 300 مليون دولار.
روسيا من خلال موقعها كقوة عظمى وبالضغط المتواصل استطاعت أن تعرقل هذا التعاون القائم ونقطة الفصل كانت يوم 20 نيسان الماضي عندما قامت طائرة روسية من طراز (ميغ 29) بإسقاط الطائرة بدون طيار (هيرميس 450) من صنع الشركات الإسرائيلية (إلبيت) والتي كانت تقوم بعمليات تجسس ومتابعة فوق أراضي أبخازيا ذات السيادة.
إن الدعم العسكري الذي تقدمه )إسرائيل( إلى جورجيا يضعها بين المطرقة الروسية (قوة عظمى صديقة ولكن ليس بنفس مستوى الولايات المتحدة الأميركية مع الأخذ بعين الاعتبار أنها أساسية في الحملة الدولية الموجهة ضد البرنامج النووي الإيراني وفرض العقوبات على إيران) وبين سندان جورجيا (التي تمثل فرصة ثمينة للحصول على عقود تجارية كبيرة). لقد استطاعت المطرقة الروسية أن تربح وأن تتفوق على المصلحة الاقتصادية وذلك يعود حسبما أوردت مصادر إسرائيلية إلى انخفاض مستوى الدعم العسكري الإسرائيلي لجورجيا بنسبة كبيرة مقتصراً على تزويدها بأسلحة دفاعية.
منذ عدة أشهر أرسلت روسيا رسالة قوية اللهجة إلى وزيرة الخارجية الإسرائيلية تطالبها بوضع حد للدعم المقدم لجورجيا. في الرسالة يذكر أن روسيا جمدت وبشكل كامل تزويد الدول المعادية لإسرائيل بالأسلحة.
وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أرسلت بدورها الرسالة إلى وزير (الدفاع) الإسرائيلي إيهود باراك موضحة له خطورة الأمر وخشيتها من تدهور العلاقات الثنائية. في بداية الأمر أراد باراك أن يلعب دور القوي وأن يضغط على روسيا لكي تتوقف عن دعم إيران وسورية بالأسلحة وبالتحديد الصواريخ الحديثة المضادة للهجمات الجوية (س - 300) والتي إذا ما تم تزويد إيران بها ستشكل عقبة كبيرة في وجه أي هجوم إسرائيلي أو أميركي على المنشآت النووية الإيرانية.
وليس من المفاجىء أن يتركز التعاون بين البلدين في مجال الأمن والدفاع, فعدا حاجة جورجيا إلى هذا الدعم العسكري والعرض الذي تقدمه للشركات الإسرائيلية, توجد أيضاً أسباب وعوامل شخصية دفعت هذا التعاون نحو الأمام. فمثلاً وزير الدفاع الجورجي الشاب دافيد كيزيراشيفيلي عاش لمدة سنة ونصف في إسرائيل (هجرة اليهود إلى إسرائيل) ومن ثم عاد إلى جورجيا وهو يتقن العبرية ولديه الكثير من الاتصالات مع عملاء إسرائيليين وبفضل موقفه الشخصي وعلاقاته الإسرائيلية ازدهر ونما التعاون العسكري بين جورجيا و(إسرائيل) إلى أن استيقظ الدب الروسي من سباته غاضباً.
كما أن محافظ تل أبيب السابق والوزير الإسرائيلي السابق (روني ميلو) شكل عاملاً أساسياً في إنجاح عمليات بيع الأسلحة كونه ممثل شركة (إلبيت) الإسرائيلية في جورجيا حيث قام ميلو ببيع 18 طائرة صغيرة دون طيار وخمس طائرات استراتيجية دون طيار نوع (هيرميس 450) والتي تحتوي كل منها على نظام كاميرات واتصالات يزن 150 كيلو غراماً وتستطيع التحليق لمدة 20 ساعة دون توقف. في فترة لاحقة طلب الجيش الجورجي من ميلو أن يزوده ب 200 دبابة نوع ميركافا وهي صفقة كبيرة لم تتم حسبما ذكرت الحكومة الإسرائيلية لأنها عارضت هذه العملية لخوفها من ردة فعل روسيا.
الموضوع لا يقتصر على الأسلحة ولكن يتجاوزه إلى التدريب العسكري فكثير من الضباط الإسرائيليين السابقين والمتقاعدين يقومون بزيارات متكررة إلى جورجيا والأكثر بروزاً بينهم هو (غال هيرش) الذي كان مسؤولاً عن المنطقة التي جرى فيها اعتقال الجنديين الإسرائيليين من قبل حزب الله في لبنان عام 2006 وبسبب الانتقادات التي وجهت إليه جراء عملية الاعتقال هذه استقال من الجيش الإسرائيلي وأسس الشركة المدعوة (ديفينس شيلد) ومن نشاطاتها الأساسية تدريب جنود جيورجيين بإشراف 50 مدرباً إسرائيلياً.
وحسب ما أوردته عدة مصادر فإن المهمة الرئيسة لهذه المؤسسة العسكرية كانت مساعدة جورجيا في تشكيل وتدريب وحدة النخبة العسكرية. ولكن بسبب الضجة والاضطراب الذي تسببت به (إسرائيل) أعلنت الشركة إيقاف أعمالها في جورجيا وهذا أمر مشكوك في صدقيته.
اليوم وزارة الخارجية الإسرائيلية تتنفس الصعداء لأنه تم إيقاف عمل هذه الشركة في الوقت المناسب لأنه لو استمر في هذه الأيام التي تدور فيها الحرب بين روسيا وجورجيا لكانت إسرائيل قد وقعت في موقف دبلوماسي حرج واضعة نفسها بين المطرقة الروسية والسندان الجورجي.