لن ندخل الآن في حوارية الجسد والروح, التي تحتاج إلى الكثير من الجمر, حتى يكتمل احتراق حطب الأفكار المسبقة وما بعد ذلك...
كيف تتجه بوصلة عمر الرجل تتجه إلى جاذبية المرأة الأنثى الكائنة قرب مختبر الروح وعلى مقربة من أحزان الجسد...
والرغيف امرأة أخرى لا تكتمل غنائيتها, حتى يكتمل عمر العيش, وهل يكتمل?
النساء حاجات روحية مؤبدة مثلها مثل الأغاني البلدية وحكايات الجدات
وأمانات السجلات المدنية والنفوس
المرأة سجل نفسي لا تنتهي معلوماته وتفسيراته, ويفصح عنها الرجل عند كل المفارق ويعرب أفعالها ألف إعراب, ويقول همزاتها ويصلها ويقطعها, ولا يتعب... أحسن النساء تبني رجلاً حبيباً أو قريباً أو حزيناً أو موجعاً, وأسوأ النساء تهدم رجلاً خصماً أو كريهاً أو شقياً أو وجوداً متعثراً.
إحدى القريبات توقفت خطوات مسائها عند شرفة عتمتنا قالت: لا أنصح المحبين بالزواج, لأنهم يطلبون من بعضهم عطاءً زائداً, وهل يفلح المحب أو المحبة في إنجاز العطاء الكبير المطلوب?!
أنت على حق أيتها القريبة: المحب ينتظر دفقاً لا ينتهي من الحبيبة, وهذا ما يجعل الحب في خطر , ويكسر خط برق النظر, ويضيع الوجد والظفر, وينقطع عن الهطل المطر, وتهرم قبل حينها معزوفات الشجر, ويصير الحبيبان حديثاً مؤسفاً بين البشر...
الحب لا إرادي, وشعري ومتخيل وجمال وغفران وتسامح, وعتابات عذبة وغناء وجداني مملح بالأسرار والتأملات... أما الزواج فهو إرادي وواقعي بامتياز وحسابات وعائلة وأولاد يهبطون على يابسة الأزواج, وعند هبوطهم يهبط الخيال وينحدر المحال, ويهدأ سحر القيل والقال, وينعس السؤال, وتهرب الدهشة من غرف البال, وتحضر قصيدة ترتيبات الأيام, وتعلن تقاعدها الأحلام وتنحطم محبرة الوجدان والعشق وتتكسر الأقلام, ولا يبقى للمتزوجين شيء من غرام...
إذ ذاك الزواج حطام والحب كلام ينام...
قصيدتان طويلتان بطول العمر, يغنيهما الرجال كل حين, ولا يجدان لهما خاتمة أو قافية مكتملة...
القصيدة الأولى النساء بكل أبهة وأجراس وأوهاج ونايات غناء.. والقصيدة التالية( الرغيف) بكامل هندامها وأناقة حضورها الساحر, وعندها يلتقي الرجال والنساء يغنون ويغنون ويجوعون ويعيشون لكن بغير انتهاء.
يقولون: حان وقت الرخاء فيلحق بهم هم البقاء, ويطول في أصواتهم النداء ولا يأتي انتهاء...
نداء يتلوه النداء والرغيف في الأعلى والناس غناء الخبز أو بعض غناء...
لكن القصيدة الأولى أبهى وأرفع جرساً وموسيقا التقاء.. هي سرد أيام الحنين المستطاب وورد أفئدة المدى الوضاء( هن أعذب خلق الله ألحاناً)
صديق يجاور درب الصباح يسألني عند مفترق البروق من هي المرأة القصيدة أو المرأة الحقيقية?
قلت له: النساء قرى الله على الأرض والرجال نواطير كروم... وهل من خوف على الكروم إلا من نواطيرها?!!
النساء كلمات السطور والسطوع, والرجال تفسيرات ناقصة تساعد على إكمالها علاقات الحب أو ما يشبه الحب بين صدر القصيدة وعجزها... وبين الورد والعطر وبين المد والجزر وبين الزرقة والسماء..
الذي بين المرأة والرجل كالذي بين الموجة والزبد...
لكن الزبد ليس عيباً وانكساراً دائماً..
الزبد قصيدة عاتية وخاطفة للدهشة ومحط وجع موسيقي عجيب... ولا ينبغي الانتقاص من هيبة الزبد مجاملة للموجة أو من غير مجاملة...
قصيدتان تحتاجان موسيقا العمر كاملة, ولا تكتملان... وحسنهما في عدم اكتمالهما..
كل بياض نهار وكل بياض صفحات نستجدي من خواطر الوقت بعض نغمات وجد, ونستجدي أبهة خبز مملح بالاشتياق ,لعلنا نستمر في الصعود إلى العذوبة والعذاب المستطاب...
الاستجداء عيب العيوب, إلا في حضرة موسيقا النساء, جميعنا استجداء: نستجدي لحن حب وحنين لنقدر بعد ذلك على فهم درس الرغيف ومعلومات العيش.
ونتقدم لامتحانات الحياة الأساسية والتكميلية وقد نوفق وقد لا... في نيل شهادات العيش والبقاء... وقد ننجح قليلاً ونفشل كثيراً في امتحانات النساء وغنائيات البهاء...
صدقوا أو لا... أصعب الامتحانات النساء, وأجمل الأغنيات النساء... وهن هن أعصاب السنين الطالعات إلى الضياء...
فلا داعي للمساواة بين الكروم والنواطير أو بين القصيدة والشاعر.. أجمل الشعراء موظفون صغار في مأمورية موسيقا القصيدة...