تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


آخر الزمان...!

آراء
الاثنين 18/8/2008
جلال خير بك

إنه الزمن الصعب.. الزمن الذي يفرض على الإنسان أن يكون قناص فرصٍ أو ساعياً إليها بأي وسيلة!..

كيف يتحول الإنسان, هذا القيمة العظيمة إلى آلةٍ بعيداً عن مشاعره وأحاسيسه وتطلعاته?.. كيف يتحول الصفاء والقناعة والايثار وشفافية المرء إلى وحش لا هم له سوى مسابقة الوقت لتحصيل المال على حسابه وحساب غيره كيفما اتفق?!‏

في هذا الزمان الذي نسي الايدلوجيات والعقائديات التي لم تستطع -في الغالب- أن تقدم لإنسان العصر إلا كثيراً من الوعود وأقل منها من الإنجازات..‏

في هذا الزمان غابت قصص الانتماء وتفضيل الجمعي على الذات.. واصطبغ بالصبغة الخاصة التي سيطرت على كل شيء.. وصار نشاط بني البشر محموماً لتحصيل أقصى ما تستطيع (شطارتهم) أن تحصل عليه!!‏

فإلى أين تذهبون بهذا الكوكب أيها المجانين?!‏

إننا منذ فجر التاريخ وفجر الإنسان وحتى اليوم: لم نجد أحداً أخذ معه شيئاً!! بل جاء عارياً وذهب عارياً ووراءه الكنوز والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة!!‏

يروى أن الخليفة (الواثق) حين مات.. وكان الناس يهابونه ويخشونه: لم يلتفت إليه أحد, وتركوه جثة وانصرفوا إلى غيره.. حتى إن خادمه لم يجد كفناً له, فأخذ ملاءة بيضاء كفنه بها بعد أن كان وراءه العرش وبيت المال وكل مقدرات الدولة!!‏

فماذا أخذ الواثق بعد كل ما كنزه وجمعه?!.. حتى الكفن استكثروه عليه!!‏

بئس هذا الزمان الذي قضى على جوهر الإنسان وأحاله كانزاً أو خازناً.. وقضى على الشبع فيه وأحل محله الطمع والجشع.. وقضى على علاقات البشر الصافية وعلى روح التعاون والتكافل والحنان ومواساة الإنسان لأخيه الإنسان.‏

لم يعد في الحياة محطات استراحة تأمل, بل صار الهدف الأقصى لمعظم بني الإنسان, أن يحصلوا ويجمعوا ما يستطيعون وكأن الأرض هاربة!! إنهم يسعون جاهدين إلى ابتلاعها بثرواتها وما فيها!!‏

ولم يقف الجشع عند حد.. بل دمر أصحاب المصانع بيئتهم وقضوا على فصولها وتنوعها حتى صار الصيف الحارق يشمل معظم شهور السنة بينما الخريف والشتاء والربيع: بضعة شهور.. كل ذلك بسبب أيديهم وأشداقهم الفاغرة التي لا تعرف الشبع!!‏

في معظم بقاع الأرض صار اختفاء الشجر والمساحات الخضراء: سمة عامة يحل محلها التصحر وأبخرة ودخان المعامل والمساحات الهائلة من الصحارى وغابات الاسمنت.‏

فأي شيء تركوه للإنسان?! حتى المياه الضرورية للحياة.. باتت في تناقص مستمر.. وحتى الاتفاقيات الدولية للحد من الاحتباس الحراري وانبعاث الأبخرة السامة: تنصل منها كثير من الدول وعلى رأسها الدولة العظمى التي تسمي نفسها سيدة ورائدة العالم الحر وراعية الديموقراطية!! فاستمرت أبخرة مصانع شركاتهم الكبرى, في تخريب المناخ والغلاف الجوي (طبقة الأوزون)!‏

ولقد )حقنوا( العالم بأمراض لم يكن بنو الإنسان يعرفونها..وقضوا على ملايين الأطفال مرضاً وجوعاً وفاقةً وجهلاً!! حفاظاً على مرابح شركاتهم, وإبقاء لسيطرتهم على غذاء العالم ليتحكموا به كما يشاؤون.‏

ما هذا الزمان وهذا الجشع بلا حدود? فكيف سينتهي بل بالأحرى كيف سينهونه?‏

لقد ولى ذلك الزمان الذي كان فيه الفقراء يصنعون مستقبلهم بأيديهم, ويبنون بلادهم وبلاد غيرهم وينشئون إنسانهم كما يجب وكما يرغب الإنسان أن يكون..‏

لقد دمروا كل ما أنجزته البشرية وعقول بني الإنسان إذ حولوه أداة للدمار والخراب والسيطرة بعد أن سخروا أي إنجاز أو اختراع: لخدمة طمعهم وأنيابهم التي ما تعبوا من شحذها وتهيئتها للانقضاض!!‏

إن الوحوش -حتى الوحوش- لا تتعدى على الفريسة إلا إذا جاعت.. أما اولئك الذين يمسكون مقاليد العالم باقتصاده وبشره بتقدمهم العلمي: فهم يعتدون على الإنسان في حالتي الجوع والشبع, ويمصون دم الفقراء على هذه الأرض التي لا نعرف إلى أين يأخذونها!!‏

إن هذا زمان انحسار الايديولوجيات أمام التقدم التقني والجشع الرأسمالي ومقدرته على التجويع واختلاق القلاقل والحروب في كل بقاع العالم.. إذ لا يتركون منه بقعة هادئة.. ولا يسلم بشرها من أذاهم.. فإلى متى سيظل العالم أسيرهم? وإلى متى سيظل بنو الإنسان مضغة لهم ولأنيابهم?!‏

ولم تفتنا -نحن- تلك المسرحية!! فعندنا ملامح واضحة من الجشع والسعي المجنون لامتلاك وتكريس الأموال بأي طريقة كانت!..‏

ومابين غمضة عين والتفاتتها, نجد أنهم لم يتركوا لك شيئاً من أجل حياتك وحياة أولادك: من أراض وأموال وأمان يحفظ مستقبلهم ومستقبل الأجيال ليعيشوا حياة كريمة.. إنه الجشع الذي لا وطن له سوى المال!.. إنه زمان: آخر الزمان‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية