تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نجومية هاروكي موراكامي وهي تنكأ جراحنا العتيقــــــــــــــة

ثقافة
الخميس 4-9-2014
سوزان إبراهيم

حين تقرأ خبراً يقول: إن المئات وقفوا ليلاً أمام المكتبات في طوكيو ومدن أخرى ليكونوا أول من يحصل على الرواية الجديدة لهاروكي موراكامي, لابد أن يناوشك سؤال: هل يسعى أحد في عالمنا العربي لانتظار كتاب جديد لأي روائي عربي.. وربما غير عربي؟

ما الذي استطاعه موراكامي ولم يستطعه أحد روائيينا- قد أستثني أحلام مستغانمي بهذه النسبة أو تلك؟ أم أن السؤال الأكثر صحةً هو: ما الذي تغير في اليابان أو في معظم بلدان الغرب ليصبح الكتاب موضع انتظار؟ كيف استطاع أديب كاتب أن يغدو نجماً عالمياً, ونحن لا نجوم لدينا إلا في مجالات الغناء؟‏

تحمل رواية موراكامي الجديدة عنوان «تسوكورو تازاكي وسنوات الحج» الصادرة باللغة الإنكليزية ب300 صفحة وقد بيع منها مليون نسخة خلال الأسبوع الأول! نعم مليون نسخة خلال أسبوع, بينما- وكما تقول الأخبار- بيع من روايته «آي كيو 84» مليون نسخة خلال شهر!‏

على الرغم من كل الأسئلة السابقة لا أريد الخوض فيما صار بدهية سلّمنا بها كعرب بأننا مجتمعات غير قارئة- وقد لا تكون هذه النتيجة دقيقة وقد تكون عمومية أكثر مما ينبغي- بل أود الحديث في أمر آخر.‏

تتناول الرواية كما قيل طالباً جامعياً يدعى «تسوروكو» ينبذه أصدقاؤه خلال سنته الجامعية الثانية وهم أصدقاء الطفولة الأربعة.. لماذا؟ لأنه اعتقد أن اسمه باهت (تسوكورو= الصانع) بينما يحمل أصدقاؤه أسماء: شيرو (بيضاء), كورو(سوداء), أوو (أزرق)، أكا (أحمر) وظنّ أن أصدقاءه هجروه لأن كل شيء في اسمه باهت.. وسطي.. شاحب.. ويفتقر إلى اللون.‏

يحيلني كل ما سبق إلى أكثر من فكرة:‏

- هل صار موراكامي نجماً لأنه يكتب روايات مدهشة أم أن ثمة جهة ما تقف وراء نجاحه الباهر ذاك؟‏

- هل يكتب موراكامي ما له لون واضح وصريح يشد الناس بينما يكتب أدباؤنا ما هو وسطي شاحب ويفتقر إلى اللون تماماً كاسم «تسوروكو»؟‏

- ماذا يريد القارئ في مجتمعاتنا التي تعيش حالة فوضى لونية صارخة- بكل المعاني المحتملة لكلمة لون-؟‏

لأبدأ بالقول: ما من كاتب نجم وقف وحيداً يواجه العالم بكتابه بمفرده! ثمة مؤسسات أو منظمات أو جهات تحدد أديبها المختار وتجعل منه نجماً.. ولا أريد الخوض في الأسباب فهي كثيرة. اكتب الياذةً جديدة واعلم أنك ستبقى في الظل تراوح في المكان, ولكن إن امتدت يد من المجهول إليك, فاعلم أنك حظيت بليلة قدرك وربحت الجائزة. لابد من بيئة تتبنى الكاتب ابتداء بدار النشر مروراً بالتسويق والتوزيع وصولاً إلى الإعلان والإعلام المميزين ولابد من تكاتف هذه الجهات معاً وربما تعمل أهمها تحت إملاءات لا نعرفها.. وكي لا نكون ظنونين آثمين قد تكفيك علاقات خاصة وعميقة مع أحد أباطرة هذا المجال.‏

ثانياً: لابد من الاعتراف بحرفية وبراعة موراكامي ومواضيعه التي تلاقي- بعد الترويج والتسويق- من ينتظرها.. الكتّاب في الغرب أو لنَقُل خارج شرقنا العتيد يكتبون ما له لون صارخ.. ما يربك أو يرعب أو يعتقل الأنفاس.. أي هي روايات فذة بخبرات تستند إلى سير ذاتية غالباً.. كاتبهم يذهب إلى ما يريد مباشرة دون كثير رقابة ذاتية أو سلطوية أو مجتمعية غالباً- إلا بعض الأمثلة المتعلقة بالدين ولكن تلك الروايات نشرت ولاقت رواجاً كبيراً رغم وقوف الكنيسة ضدها-.‏

ثالثاً: من خلال تجربة بسيطة في النشر على الفيسبوك يمكن ملاحظة أن «البوست» الشخصي يلقى رواجاً كبيراً جداً خاصة إن صدر عن امرأة كاتبة أو غير كاتبة.. بينما قد يبقى «البوست» الجاد يبحث عن نخبة قد تمر به وقد لا تفعل.‏

الناس في مجتمعاتنا- وفي غيرها للإنصاف- مولعة بالتلصص على حياة الآخرين هذا من جانب, ومن جانب آخر هم يريدون ما يصلهم بك شخصياً كأن تشاركهم لحظاتك الفرحة أو الحزينة- بخاصة- والمجنونة أحياناً وهذا قمة الروعة.‏

لماذا يقبل القراء العرب على شراء وقراءة روايات أحلام مستغانمي- رغم النقد الكثير الذي وجهه عمداء النقد الأدبي العربي لمنجزها الإبداعي-؟‏

سنصل إلى عقدة النجار أو رأس الخيط في هذا الأمر لنسأل: هل نكتب ما يرغب به الناس ويرضي فضولهم, أم نكتب ما نشعر أنه أدب حقيقي؟‏

ثمة فرق إذاً بين كاتب مرموق وكاتب جماهيري.. بين كاتب يشتغل بصمت بعيداً عن الأضواء وبين كاتب لايشتغل إلا تحت الأضواء وتسبقه دعاية ضخمة لمنجزه الجديد.‏

هل هي ضربة حظ حالفت موراكامي أو ج. ك. رولينغ أو غيرهما؟‏

يبرع الكاتب خارج شرقنا في سرد تجاربه الخاصة بصدق وحرية, وتغدو بذلك السيرة الذاتية أهم نوع أدبي على الإطلاق خاصة في الآونة الأخيرة وما سبقها من تبشير بعصر رواية السيرة الذاتية فمن من العرب يجرؤ على كتابة سيرته الذاتية؟‏

خارج شرقنا ثمة «لوبيات» لصناعة الكاتب النجم.. تسللت أيدي بعضها إلى شرقنا وصنعت بعض نجومه- دون التشكيك بخلفيات النوايا- عبر ورشات كتابة وجوائز هامة وعقود ترجمة وسياحة ثقافية وأدبية, فمن سيفعل ذلك لكثير من الكتاب العرب التائهين في حفلات توقيع لا يحضرها الكثير من الأصدقاء فما بالك بعامة الناس.‏

suzan_ib@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية