تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المحافظون الجدد يغزون الشرق الأوسط باسم «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية»

عن: موندياليزاسيون
شؤون سياسية
الاثنين 18-8-2014
 ترجمة: سراب الأسمر

على مدرج الأكاديمية العسكرية في ويست بوينت 29 آيار 2014 قال باراك أوباما في خطابه الذي ألقاه هناك: أنا أؤمن بالاستثنائية الأميركية بكل كياني ولكن مايجعلنا فريدين ليس بقدرتنا على تجاهل المعايير الدولية وانتهاك القانون، إنما رغبتنا في تأكيد تلك الأمور من خلال أعمالنا.

ولنقرأ ماقاله آيزنهاور عام 1947 على نفس المدرج: الأكثر مأساوية وحماقة وجنوناً في البشرية هي الحرب أما التشجيع عليها وإثارتها عمداً فهي جريمة مخجلة بحق الإنسانية.‏

هل أنا الوحيد الذي امتعض عند سماع خطاب باراك أوباما والوحيد الذي شعر أنه يقف أمام ممثل يلعب دور رئيس أميركي، ويقرأ بانتباه البرنامج النصي الذي قدم له؟ في الواقع بات يتجلى أمامنا على نحو متزايد انطباعاً أن أوباما اعتمد موقف جورج دبليو بوش يبدو أن من يكتب خطابات اليوم يتمتع بنفس عقلية من كتب خطابات بوش وديك تشيي المتشددة وهذا ليس من قبيل الصدفة لأن المحافظين الجدد يشغلون اليوم مناصب حساسة في إدارة أوباما كما كان عليه الحال أيام بوش الابن لهذا قاموا بما في وسعهم لإدخال الولايات المتحدة في حرب غير شرعية ضد العراق كما حاولوا دفعها أيضاً لمواجهة إيران عسكرياً ويحاولون اليوم إثارة صراع عسكري في روسيا. إنه ليصعب علينا فهم كيف تمكن المحافظون الجدد الولوج بسهولة إلى الإدارات الأميركية الجمهورية والديمقراطية على حد سواء ولعبوا دور المحرض على الاضطرابات.‏

نحن ندرك جيداً المخطط الكبير للمحافظين الجدد والذي يسعى بشكل أساسي لاستخدام القوة العسكرية الأميركية لإعادة تشكيل جغرافية سياسية في الشرق الأوسط بما يخدم مصالح إسرائيل وحلفائها كما يتمتع المحافظون الجدد بالأسلوب اللطيف لنشرها بالنتيجة، المقصود بذلك مشروع تم تطويره وتقديمه في تقارير عدة كان أولها تقرير «كلين بريك» (استراحة نظيفة) عام 1996 وتقارير مشروع القرن الأميركي الجديد (PNAC) مشروع القرن الأميركي الجديد وهو منظمة أنشئت عام 1997 مؤسسوها أعضاء بارزون في حكومة بوش -تشيني ولايمكن لأحد أن يفهم سياسة أميركا الخارجية مالم يقرأ هذه التقارير.‏

يظهر اليوم المحافظون الجدد الأميركيون تحت شعارين جديدين: (مبادرة السياسة الخارجية) و(مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية).‏

الأهم من ذلك. نجح المحافظون الجدد في السنوات الأخيرة بالرغم من فشل سياساتهم في الحرب ضد العراق وبات لهم أثرهم الواضح في إدارة الرئيس أوباما لاسيما في وزارة الخارجية حيث تمتعوا بحماية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون كما شكل المحافظون الجدد وحلفاؤهم السياسيون القوة الفكرية الرئيسية المحركة لـ سياسة الولايات المتحدة الخارجية أسفرت عن سياسات أميركية مدمرة وغير مترابطة في الشرق الأوسط وشرق أوروبا كالتي شهدناها قبل خمسة عشر عاماً.‏

وهذا المشروع لايخدم مصالح الأميركيين العاديين الجوهرية بينما نجده يتوافق مع بعض الكيانات الأجنبية والداخلية بدءاً من اسرائيل التي تحظى بنفوذ واسع على سياسة أميركا الداخلية وأيضاً السعودية التي تتمتع بدور أساسي في تحديد الأسعار الدولية للنفط.‏

كما يناسب هذا المشروع المجمع الصناعي العسكري الأميركي الذي يعتمد على افتعال «الحروب الوقائية» ضمن إطار حرب دائمة لتبرير الميزانيات السنوية الضخمة للدفاع.‏

يستند مشروع المحافظين الجدد على مبدأ «فرق تسد» وهذه السياسة تقتضي خلق فوضى سياسية في الأماكن التي يسودها الاستقرار في الواقع يصل المحافظون الجدد إلى أهدافهم عبر خلق حالة الفوضى السياسية في الشرق الأوسط سعت سياستهم لتأجيج نيران الصراع الطائفي ليتمكنوا من إسقاط الحكومات المعادية وتفكيك تلك الدول بهدف سيطرة أفضل مهما كانت الكلفة البشرية هائلة على الشعوب المحلية.‏

على سبيل المثال، يبدو سخيفاً أن تسلح وتدعم إدارة أوباما المجموعات المتمردة الإسلامية المتعصبة في سورية ضد الحكومة فيما تلجأ إلى ضربها بطائرات دون طيار في العراق مع ذلك، هذه السياسة الغريبة تبدو عقلانية بنظر المحافظين الجدد بحال دعت إلى الاقتتال الطائفي وتقسيم العراق ولهذا سأستخدم مصطلح «تناقض واضح في عنوان هذا النص».‏

في أوروبا،أقنع المحافظون الجدد أوباما بإحياء الحرب الباردة القديمة مع روسيا لإضعافها نسبياً فإثارة توترات كهذه ستساعد الولايات المتحدة في تعزيز هيمنتها على الاتحاد الأوروبي وتسهل تحويل خلق الناتو إلى تحالف عسكري دفاعي تسيطر عليه الولايات المتحدة لتبرير تدخلها العسكري في الخارج.‏

مع ذلك، لأن استراتيجية المحافظين الجدد تتضارب مع مصالح أميركا الاقتصادية والسياسية الأساسية في الداخل والخارج على حد سواء نجد أن مشروع إثارة الحروب المتتالية في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية جعلت سياسة أوباما الخارجية تبدو غير مترابطة ومتناقضة ولنتوسع حول النقطة الأخيرة هذه:‏

أولاً: لننظر إلى حالات الفوضى السائدة في سورية، ليبيا والعراق التي اثارتها الميليشيات المسلحة والمدعومة من الخارج فاجتاحت الحروب الأهلية هذه الدول، الأمر الذي قد يؤدي بسهولة إلى التفكك السياسي والتدهور الاقتصادي.‏

من المستفيد من اضطراب كهذا في هذا الجزء من الشرق الأوسط الغني بالنفط؟ بالنسبة للمحافظين الجدد يسعدهم استمرار فوضى كهذه لأنها تخدم بعض المصالح الجيوسياسية وبشكل خاص اسرائيل إذ إن وضعاً كهذا يضعف الدول الإسلامية المجاورة وتقسيمها إلى كيانات أصغر السعودية أيضاً تستفيد من هذا الأمر إذ يرتفع سعر النفط عندها فيما تضعف الدول المنافسة لها في الشرق الأوسط (إيران، العراق وحليفتهما سورية).‏

في الواقع، أحد أسباب الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا هو ارتفاع سعر النفط فيما احتمال امكانية مهاجمة حقول النفط في هذه الدول من جانب الميليشيات المتطرفة سيسيء لمصالح شركات البترول الأميركية هذا مايفسر جزئياً لماذا يتوجب على حكومة أوباما التعامل مع المطالب المتضاربة المتشكلة من مختلف المصالح السياسية والاقتصادية لكن يصعب إرضاء الجميع ومن هنا يتجلى جيداً التناقضات في سياستها الخارجية.‏

يعمل أحياناً أوباما وفق سياسة المحافظين الجدد السياسة المكيافيلية (ترتكز على الانتهازية) كما لو أنها سياسته بهدف زعزعة أغلب دول الشرق الأوسط من أجل مصلحة اسرائيل والسعودية فالحكومة الأميركية تقدم كامل الدعم المالي والعسكري للتنظيمات الإرهابية من أجل «تغيير الأنظمة» في العراق وسورية كما فعلت في ليبيا.‏

لنذكّر بأيلول الماضي حين استمع أوباما لمستشاريه من المحافظين الجدد ووافق على قصف سورية قبل أن تأخذ بحسبانه مبررات القيام بعملية لهذه وأنها مبنية على حجة خاطئة.‏

أحياناً أخرى التكلفة الاقتصادية لمثل هذه الاضطرابات السياسية عالية جداً فيتردد أوباما في التنفيذ فيستهدفه هؤلاء من خلال وسائل إعلامهم ليظهروه بمظهر الضعيف وبعده عن الواقع والمتردد عديم الخبرة مما يزيد في عدم شعبيته.‏

ثانيا: لننظر الآن إلى الحرب الباردة الجديدة التي نجح المحافظون الجدد في إثارتها فهم يحاولون إعادة أوروبا ربع قرن نحو الخلف واستئناف حملتهم ضد روسيا عبر سياسة تطويق جيوسياسية وعسكرية بإحاطتها بقواعد صاروخية ودفع جاراتها لمواجهتها فقد عمدت سياسة المحافظين الجدد لمحاصرة اوكرانيا وتغيير النظام فيها كنوع من الضغط على روسيا من المستفيد من هذا الاضطراب المنظم؟ بالتأكيد هذه الاضطرابات تؤذي جميع الاقتصادات بمافيها الأميركية والأوروبية فالمستفيد الأكثر من ذلك هم مهربو الأسلحة والذين يصطادون في المياه العكرة من المؤسف أن الرئيس أوباما لم يكن قادراً على رسم سياسة أميركا الخارجية بمصداقية بمبادىء واضحة وأهداف واضحة فقد كان عليه الخضوع للمحافظين الجدد وبالتالي خضع لمختلف المؤثرات والتناقضات وهذا مانسميه نقص رؤية ضعف في القيادة وبإمكانه الآن استعادة الأمور والتخلص من سيطرة المحافظين الجدد لتجنب حدوث حرب عالمية ثالثة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية