غيــــــــــــــــاب الفَيصـــــــــــــل الدرامــــــــــــــــي.. !
ثقافة الاثنين 18-8-2014 فؤاد مسعد فيما سبق كان الجمهور ينتظر ما سيُعرض خلال شهر رمضان من أعمال، وغالباً ما كان يعرف مسبقاً أنه سيتابع أعمالاً للفنانَين دريد لحام ونهاد قلعي، أو (مرايا)، أو فوازير شيريهان ونيللي وسمير غانم و..
وبالتالي كان من البديهي أن هناك أعمالاً مخصصة للشهر الفضيل، وفي ذلك الزمان قبل سطوة الفضائيات وتكريس نفوذ الإعلان كانت تظهر أعمال تعرض داخل أو خارج رمضان وتترك بصمتها الحقيقية في الوجدان والأذهان، ومن المُتعارف عليه وقتها أنها كانت تقع في ثلاث عشرة حلقة فيُعرض كل منها على مدى أسبوعين متتاليين، وكان للعملية الإنتاجية حينها صعوباتها وطقوسها التي تختلف في العديد من آلياتها ومراحلها عن يومنا الحالي، وقد حفرت في الذاكرة الجمعية والوجدان العديد من الأعمال الهامة إن بالأبيض والأسود أو بالملون، فمن ينسى أعمالاً مثل (أسعد الوراق، الأميرة الشماء، دليلة والزيبق، الزباء..) والتي تندرج ضمن ما يمكن تسميته بـ (الأعمال الفيصل) التي شكلت منعطفاً في مسيرة الدراما، ومع تطور العمل في الحقل الدرامي وانتشار الفضائيات وانطلاق عجلة الإنتاج بأعمال بُذخ عليها وأعطيت حقها في الإنتاج، ظهرت مسلسلات باتت حالة يُحكى عنها في وقتها، ولا تزال، واعتُبرِت قفزة فيما يتعلق بالإخراج والتأليف والتمثيل، وشكلت هي الأخرى ما يمكن تسميته بالأعمال الفَيّصل، ومنها (هجرة القلوب إلى القلوب، أبو كامل، أيام شامية، نهاية رجل شجاع، أخوة التراب، الجوارح، التغريبة الفلسطينية..).
وعادة أي عمل يطمح للنجاح والاستمرار والتطور نجد أنه في كل مرحلة منه هناك إنجاز يعتبر نقطة انعطاف فريدة وفيصلاً في تاريخه، فيصبح نقطة ارتكاز وإعلان ولادة مرحلة جديدة، فيُقال قبل هذا العمل وبعد هذا العمل.. ولدى تجيير هذا المفهوم على الدراما التي تم إنتاجها في سورية نرصد عبر تاريخها إنجازت شكّلت فيصلاً حقيقيا ًفي مسيرتها وآلية تطورها حتى بات يُقال (الأعمال المُنجزة قبل هذا العمل والأعمال المُنجزة بعده) فأصبحت علامة فارقة يُقاس من عندها الزمن والإنجاز، منذ أيام الأبيض والأسود ثم خروج الكاميرا من الاستديو والتصوير في الأماكن الحقيقية وانتشار الفضائيات وما شهدته الدراما من نهضة حقيقية، وبالتالي هناك أعمال استطاعت تحقيق شرط (العلامة الفارقة) ولكنها بقيت قليلة إذا ما قيست بكمية الإنتاج وعدد السنوات، وهذا الكلام لا ينتقص من النجاحات التي حققتها الكثير من المسلسلات، ولكن رغم أن هناك الكثير من الأعمال الهامة التي حققت جماهيرية واسعة وشكلت ظاهرة بحد ذاتها إلا أنها لم تصل إلى مرحلة تشكل فيها نقطة تحوّل.
ولكن هل نجد مسلسلاً ما تم إنتاجه في السنوات العشر الأخيرة استطاع تحقيق هذه الخاصية في إحداث خرق إبداعي في الحركة الدرامية ليكون هو العلامة الفارقة أو العمل الفاصل بين مرحلتين (سابقة ولاحقة) ؟.. كل مرة ننتظر الإجابة عن هذا السؤال من خلال الفعل بعيداً عن التصريحات الترويجية، إلا أن النتائج تأتي مخّيبة للآمال، ربما تُقدَم أعمالا جيدة وهامة وترقى في مستواها إلى مصاف متقدمة، إلا أنها تبقى دون تحقيق هذه المعادلة ليغيب العمل المنتظر الذي يشكل تحوّلاً هاماً في مسيرة الدراما، فبتنا كمن يسبح في مستوى واحد ولا يسعى لفعل أي شيء كي ينتقل إلى السباحة في مكان أكثر رحابة، وفي المحصلة ربما هي واحدة من الضرائب التي يدفعها العمل الدرامي لأنه أصبح أسيراً للدورة البرامجية الرمضانية وكثيراً ما يكون محكوماً بآلية جديدة من المفاهيم بما فيها التسويق والإعلانات وتبدل النظرة للأمور، وقد يكون في أحد أوجهه نتيجة طبيعية للاستسهال والترهل الذي بدا واضحاً عبر الكثير من الأعمال الدرامية، وارتهان البعض لشروط ومتطلبات رأس المال الذي أمسى متحكماً إلى حد بعيد، بشكل أو بآخر، بدفة القيادة الحقيقية لصناعة هذه الأعمال.. ونبقى في انتظار العمل الدرامي الفَيصل.
|