تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جرائـم بصريـة مـــن إبداعـات الغــرب... «موبــا».. مجمــع الفــن الهابــط ومتحــف الفـن الرديء

ثقافـــــــة
السبت 5-11-2011
تماضر ابراهيم

يعتقد سولا جيس «أن فن الرسم ليس انعكاساً مباشراً للواقع، لأن الواقع تعكسه ثقافة الناظر». بمعنى أن فن الرسم ليس مهمته نسخ الواقع أو تصويره ليكون مطابقاً للأصل

وإنما هو انعكاس عنه بحسابات ثقافية ومهمته تحفيز الناظر وسبر ثقافته أيضا لإيجاد صلات ووشائج مع اللوحة والواقع.‏‏‏

‏‏

إلا أن بعض المقنّعين أو العابثين اتفقوا على تغيير القاعدة والاحتفاء بالأعمال المزرية التي لا تمت للفن أو للثقافة بأي صلة ولاحتى للموهبة غير المصقولة إذا افترضنا ذلك.‏‏‏

الفن السيئ جداً الذي لايمكن تجاهله‏‏‏

تلك كانت مقدمة لموضوع كان لافتا على صفحات الانترنت يتحدث عن متحف موبا أو متحف الفن السيئ الذي أنشئ في عام 1993 والذي ولدت فكرته لدى مجموعة من الشبان الأميركيين يترأسهم العازف مايكل فرانك المختص بمسرح الطفل، حيث دعوا للاهتمام بالأعمال الفنية السيئة وعرضها على الملأ في معرض دائم.‏‏‏

ربما من باب التحدي، تم جمع نماذج لأعمال رديئة لإغناء المعرض متخذين القبو أو البهو الذي تحيط به الحمامات في بناية مسرح لمنطقة في ولاية ماساتشوتس - ديدهام في الولايات المتحدة، لعرض الفن السيئ.‏‏‏

جيري رايلي أحد المؤسسين مقتنع بفكرة المعرض وشجّع على إقرار متحف واحد على الأقل متخصص بالفن الأسوأ في كل مدينة بالعالم، لكن شريطة ألا يكون سوء الفن متعمداً، وبناء عليه أحدث مؤخراً فرع للمتحف في مكان آخر قريب في ولاية سوميرفيل.‏‏‏

يتضمن المعرض 600 قطعة من «الفن السيئ جدا الذي لا يمكن تجاهله» كما أسماه المؤسسون. يتم جمع المعروضات بطرق مختلفة بهدف التشجيع منها إهداءات، تبرعات، ولقى في القمامة وغيره, بحيث تتم تغذية المتحف بشكل مستمر, مع العلم أن للمتحف شروطاً لا يمكن تجاوزها، مثلا يتم رفض الأعمال المزخرفة, لاتستقبل أعمال الأطفال أبدا، كما ترفض الأعمال الإباحية، وأيضا الأعمال غير المباشرة...‏‏‏

تضليل البصر والبصيرة‏‏‏

في الوقت الذي نطالب فيه بالتربية الفنية لنعتاد الجمال والتقييم الفني ونخّرج مواهب تمتاز بالدقة الرياضية وبالذوق الرفيع والصبر الجميل لبناء أجزاء العمل الإبداعي بتناسق يعكس مظاهر الجمال والكمال فيه، ولنتعلم أن الرؤى تختلف باختلاف مستوى ثقافة الناظر إلى مساحة اللوحة التي تمثل أبعاد الشكل المبعثرة في الألوان والخطوط ومساحة التظليل والمساحات البيضاء التي تخفي بين طياتها الضوء المسلط على الشكل لإبراز معالمه وقراءة تفاصيله وملامحه الغارقة في بحر البياض ذاته.‏‏‏

نجد أن وجهة نظر أعضاء موبا تنسف هذه الفلسفة كلها ويجمّلون السوء لإقناعنا بأهمية الفشل وأهمية البشاعة التي يصنعها البعض والبعيدة بكل المقاييس الثقافية والفنية والجمالية والمنطقية عن مفهوم الفن والفنان يعني «مالها علاقة باللياقة», وأنه من واجبنا احتضان أفضل مؤسسة للفن السيئ بالعالم!؟‏‏‏

الجدير ذكره أن أعضاء موبا لم يغفلوا عن إصدار كتاب لمعروضاتهم باسم - متحف الفن السيئ الذي لايمكن تجاهله – كما أن لديهم موقعاً خاصاً وصفحات مبوبة على الانترنت يمكن المتاجرة من خلالها بمعروضات موبا.‏‏‏

سياستهم في الدعوة للمشاركة تتلخص بــ: «إذا كنت على استعداد لتكريس حياتك للفن السيئ، عندئذ تصبح صديقاً للموبا، أما الاشتراك فمجاني ومعه نشرة موبا الإخبارية عبر البريد الالكتروني، ويشار إلى مسابقة موبا التي يحصل الفائز فيها على نسخة مجانية من كتاب متحف الفن باد».‏‏‏

تأمّل...‏‏‏

الرسام الحقيقي صاحب الروح الصبورة، ينطق ويحاكي الجمهور المثقف الذي يجيد فك رموز وألغاز اللوحة التي يمنحها جزءاً من روحه ليتقاسم معها السعادة. ويبتهج حين تتعدد الرؤى، والقراءة لتفاصيل عمله الإبداعي ويرفض الإفصاح عن أسرار وأهداف عمله..‏‏‏

هذا الرسام تم اغتياله في موبا, شوهت مهنته فماذا يعني إن كان صانع الألغاز للفوز بالحلول المتعددة التي يقدمها الجمهور, ماذا يعني مرهف الحس، يمتلك عينين كعيون الصقر يلتقط تفاصيل الجمال بسرعة البرق ويحس به، ليعكسه إحساساً في عمله الإبداعي. ترى هل يدرك أعضاء موبا أن الرسام لا يرسم بيده بل بروحه، وريشته ليست أداة للتلوين فقط، وإنما مجساً لعكس ترددات الروح المتحسسة لتفاصيل الجمال، لأنها تستمد أحكامها في التلوين من عوالم كونية جسدت الجمال في الواقع غير المرئي؟‏‏‏

هل يتقاسمون معه السعادة الكامنة في صناعة عمله الإبداعي المفصح عن تفاصيل جماله المثير للأسئلة والألغاز الفنية الذي يشد الناظر إليه ويجبره على التحاور والتعليق، هذه السعادة هل يفهمها أعضاء موبا؟ هل يدركون تماماً عملية المخاض النفسي والحسي الذي ينتاب الرسام عند صناعة كل جزء من أجزاء عمله الإبداعي؟‏‏‏

موبا والحدث الأهم‏‏‏

فن الرسم أصعب أنواع الفنون لأنه تعبير صامت عن أشياء صارخة، يسلط الضوء على الزوايا المعتمة في الواقع، وبحث متواصل للكشف عن تفاصيل غير مرئية طوتها الأيام والسنين والأحداث. لكن أعضاء موبا يسخرون منه فهم غير مختصين بالفن ولكن لديهم إحساساً دقيقاً ووجهة نظر مفادها «أن من حق الرسام أن يعرض لوحته مهما كان مستواها».‏‏‏

في إدارة موبا نجد شخصاً صفته - مدير التفسير الجمالي - يكتب على جانب كل لوحة نقداً فنياً جدّياً لبعض المواهب الملفقة المدمرة لرسالة الفن، مثلا..‏‏‏

- لوحة «لوسي في السماء مع الزهور»:‏‏‏

زيت على قماش 30*40.‏‏‏

تم الحصول عليها من القمامة في بوسطن الاسم غير معروف.‏‏‏

زرعت هذه اللوحة واحدة من البذور التي نمت في موبا..‏‏‏

- لوحة «ماما وبابا»:‏‏‏

تبرع بها الفنان.‏‏‏

التعليق: نغمات اللحن تعيد إلى الأذهان تكور الرف العلوي من حانة صغيرة على الحدود. وهنا يركز الفنان على الهيكل العظمي، يلتقط ملامح وجه ماما، وتوجد تلميحات فاتنة تلك السندات بين ماما وبابا, الوجه مذهل مستقيم.‏‏‏

- لوحة «مادونا والطفل الثالث»:‏‏‏

تبرعت بها شولمان جيم.‏‏‏

شكل الأم والطفل ضمن المألوف، طراز قديم لكنه جيد وهو احترام الوالدين رسمت اللوحة طبقة فوق طبقة على أربع ورقات دانتيل.‏‏‏

- منحوتة «مادونا مع ابتسامة»:‏‏‏

غير معروف.‏‏‏

6 «× 2» س 1.5 نحت على الخشب، سكوت ويلسون اشتراها من سوق الكنيسة.‏‏‏

الكثير من الجدل يحيط بتاريخ هذه القطعة. إذ كانت عمل فنان واحد أو اثنين مفصولين بين الزمان والمكان، نرى أن الفنان نجح في تحويل قطعة إلى رمز بسيط في صورة غامضة وصنع إشعاعات من خلال شرطات قليلة وسريعة كأنها ركلة جزاء إنه عمل مذهل، من القطع الأكثر شعبية في مجمع موبا.‏‏‏

- «الرقم مع ضفائر» :‏‏‏

كارلوس رانجيل.‏‏‏

نحت على الخشب المطلي 5*42.‏‏‏

تم الحصول عليها من متجر التوفير بوسطن سكوت ويلسون.‏‏‏

نصب يوحي إلى الثقة بالنفس، صغير يقف، طويل القامة، عقدة الجيب لها شخصية متوازنة بدقة يميل تجاهنا بفخر في ألوانه الأساسية.‏‏‏

- لوحة: بوب «الجد» الجذور.‏‏‏

قد يكون هذا هو الجد في برنامج تلفزيوني يذاع في وقت متأخر من الليل ؟‏‏‏

- لوحة «في يوم عاصف»:‏‏‏

الرياح غربية قوية بما يكفي لتعرية الأشجار الناضجة، البرية دمرت هذا المشهد السلمي الرعوي فتم تشويه جسيم الغيوم، الطقس معتدل، الفراء من جلد البقرة، يحني الطقس ريشة الحديد المطاوع، ويحفز الذعر في كلب الصيد الباسط الآذان واللسان.هذا المشهد ثنائي الأبعاد.‏‏‏

لوحة «المجهول»:‏‏‏

مشتراة من قبل فرانك م في متجر الادخار بوسطن.‏‏‏

هذه ثلاث شجرات في عربة غير مستقرة أو متوازنة، ولكن تفاؤل الفنان مباشرة يؤكد لنا أن المستقبل مشرق. ألوان الأوراق شديدة على الرغم من أن الأشجار غير متوازنة ؛ نرى عربة محملة، باستخفاف تجلس على العشب. نلاحظ السكتات الدماغية للفنان وهو واثق من إقناعنا أن كل شيء على ما يرام..‏‏‏

- لوحة «حكة»:‏‏‏

تبرعت بها بول أبركرومبي.‏‏‏

يصور الفنان امرأة جميلة شابة ذات شعر أسود كثيف، تحك الجانب الأيسر بيدها اليمنى والجزء الخلفي من الرقبة تحكه بيدها اليسرى، ابتسامتها هناء واسترخاء. انها على ما يبدو ربما تشير إلى راحة مؤقتة من حالة مضنية من الجرب قد تعافت منها..‏‏‏

ربما أعضاء موبا بجهلهم أو أهدافهم المغرضة يرون في هذه الخروقات والمواهب الملفقة وغير الموجودة أصلاً، مادة تشويهية يجب الاهتمام بها من باب التندر والسخرية، وإن كان ذلك فهذا خطير جدا على الجيل وعلى مهمة الفن وأهميته.‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية