التي تجاوز اصحابها سن الأربعين عاما. والمعرض يترك الباب مفتوحا امام تجارب لم تكن معروفة قبل سنوات قليلة، وهذه ظاهرة ايجابية تتوضح دلالاتها حين نعلم ان العديد من الاسماء كانت تستبعد بطرق متسرعة و مزاجية في دورات المعارض السنوية السابقة، وبعض تلك الاسماء كان لها حضورها المميز والخاص في معارض فردية وجماعية عديدة.
ومعرض هذا العام تميز باطلاق الخيارات الفنية التي تأرجحت مابين المعالجة الفنية الهادئة للموضوعات المطروحة في بعض التجارب والتحرر من عبء الموضوع الخارجي الواقعي لدى البعض الآخر، واللافت في معرض هذا العام تراجع الاتجاهات التشكيلية المتطرفة في عبثيتها وانفعاليتها وحركيتها ودادائيتها وتمغربها .
حتى أننا اذا تمعنا بأعمال بعض التجارب المعروضة نكتشف أن ردة البعض نحو الدقة الواقعية ماهي الا محاولة لتقديم عمل فني قادر على الوصول الى الناس مهما اختلفت مستوياتهم، في محاولة لكسر طوق العزلة الخانق أو الفراغ المفجع الذي يحيط بالفنان التشكيلي المحلي والعربي. فأنصار الواقعية والاتجاهات المفهومة الاخرى ينطلقون من مبدأ ان الناس في المجتمع العربي يرفضون التجريد أوالتحديث بوسائله وتياراته المتطرفة، حتى أن غالبية الناس عندنا ومن ضمنهم نسبة كبيرة من المتعلمين والمثقفين يهزؤون به ويفضلون اللوحة الكلاسيكية والواقعية واللغة المحكية أو المباشرة المرتبطة بجزئيات المشهد أو الصورة، ولهذا يطل المعرض في بعض جوانبه كحدث متعاطف مع الواقعية والا نطباعية وهذا يعمل على تأجيح الحالة الصراعية القائمة بين انصارالتجريد وأنصارالواقعية.
بالطبع نحن ضد العودة الى الوراء ولا يمكن ان نكون مع محاولات استنساخ الأشكال الملمومة والبائدة، أوالتقوقع في حدود طروحات اللوحة الباريسية أو في حدود الهواجس الابداعية الاولى التي اطلقها كبار فناني الحداثة العالمية في اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين. فالمشكلة اذا هي مشكلة انفتاح وتقوقع رغم ان معظم الفنانين السوريين والعرب وفي كل مراحلهم الفنية عاشوا فصول الصراعات الحادة التي نشهدها الآن مابين التيارات الواقعية والانطباعية ومغامرات التجريب التجريدي.
ومع كل مايمكن ان يثار في هذا المجال من سجال حاد وصارخ لابد من الاعتراف بأن العديد من التجارب قدمت ولاتزال تقدم عناصر تشكيلية متطورة ومتقدمة وتمتلك بالتالي اصالة فنية ولغة تعبيرية مميزة وخاصة. وكل زائر أو مشاهد يجد في اللوحة التي امامه قيمة تعبيرية وتأويلات ثقافية حسب ميوله واهتماماته، ولايمكن لشخص يعيش حالة امية بصرية الاحساس بجمالية اللوحة الفنية الحديثة، وذلك لأن الفن الحديث هو ثقافة بصرية لاثقافة خطابية أو سمعية ويمكنه ان يرضي كل الأذواق الجمالية والحساسيات المعاصرة.
adibmakhzoum@hotmail.com