وطيرانهما السريع حوالي العش وصراخ فراخهما الحاد المستغيث لفت نظرنا «كأهل البيت» إلى حية رقطاء «سوداء منقطة بالأبيض» داهمت العش وراحت تحاول التهام الفراخ وعلى صراخ الزوجين وفراخهما أخذت تفد أعداد من طيور السنونو العششة في البيوت المجاورة لبيتنا أو المارة من جو المنطقة مصادفة، لقد فهمت ماحدث وأدركت جسامة الخطر المحدق «المتربص» ببعض أفراد جنسها فهبت للمشاركة في رد الخطر.
لقد أدركت أنها إذا تركت الحية تنتصر هنا فسوف يدفعها ذلك لمهاجمة الأعشاش الأخرى ولن يهدأ لها بال حتى تأتي على جميع الطيور والفراخ المعششة في الجوار راحت طيور السنونو تهاجم الحية مجتمعة تحوم حوالي رأسها وتنقره بمناقيرها الصغيرة وصراخها يملأ الفضاء.
والحية تفح فحيحاً مخيفاً وتحاول أن ترد هجمات السنونو برأسها المتحرك في كل اتجاه ولكنها لا تستطيع أن تحرر سائر جسمها، لأنها لو انفصلت عن خشب السقف لسقطت على الأرض وهي تعرف ما ينتظرها على الأرض تنتظرها القطط التي جاءت وأقعت «قعدت» في أرض الإيوان وعيونها معلقة بالمعركة الدائرة.
وهذه القطط لم تكن مثلنا تنتظر نهاية المعركة لصالح السنونو المعتدى عليه بل كان همها أن تنال نصيبها من ضحايا المعركة أياً كان الصف الذي تنتمي إليه.
بين حين وآخر كان ينطلق واحد أو أكثر من طيور السنونو فيذهب في الجو مرسلاً صرخات يفهمها رفاقه أياً كانوا ثم يعود ومعه مدد جديد من المحاربين لم تتردد طيور السنونو المجاورة أو العابرة سماء المنطقة لحظة واحدة لم تسأل نفسها لماذا تتدخل هي في المعركة لم يقل طائر منها إن بينه وبين الطيور المهددة عداء قديم أو ثأر أو تنافس على طعام أو شراب لم يذكرها باليوم الفلاني الذي أقدمت فيه على التقاط الفراشات من حوالي عشه لم يعاتبها على تقدمها عليه في لعبة أو تنزيهة مشتركة فكل حجة يجب أن تختفي أمام ضرورة الدفاع المشترك عن العش المهاجم وكل عتاب يجب أن يصمت حتى يصرع العدو المشترك.
سقط أحد الطيور ميتاً نتيجة لسعة أصابته أو إعياء لا أحد يدري فقد سبقتنا إليه إحدى القطط فالتقطته وراحت تجري لتأكله بعيداً عنا دون أن نتمكن من معاينته، ولا ندري هل الطائر الشهيد أحد صاحبي العش أم أحد القادمين للنجدة ولم نستغرب حين رأينا الطيور المحاربة تواكبه حتى الأرض محيية بطولاته مكبرة استشهاده مودعة إياه الوداع الأخير.
وما حز في نفوسنا سقوط أحد الفراخ من العش وتلقته قطة أخرى نهمة منطقها هو منطق المصلحة المجردة من كل اعتبار إنساني أو مبدئي فمن يضعف ويسقط تتناوله بلا تردد ولا تأنيب ضمير.
لم يظهر على الطيور المحاربة أي توان «تراخ» أو مهادنة «فترة مصالحة» بل كثفت هجماتها وضاعفت تسارعها والحية تتلوى وقد بدأ ينسلخ جسمها عن خشب السقف شيئاً فشيئاً وما كان أروعها من لحظة تلك التي رأينا فيها الأفعى المعتدية الباغية تسقط من السقف على أرض الإيوان الحجرية فتنقض عليها القطط مجتمعة وتبدأ بتمزيقها.
هذا ما حدث في يوم لا يمكن أن أنساه تجلت فيه بطولات وتضحيات في أروع مظاهرها كما تجلت انتهازيات في أقبح أشكالها وقد كنا نعتقد حتى ذلك الحين أن طيوراً مسالمة كالسنونو لا يمكن أن تخوض معارك مع طيور أقوى منها قليلاً فكيف مع حيوان خطر مثل الأفعى ولكن التجربة ونتائج معركة السنونو أمام العدو المشترك أثبتت أن القوة ليست دائماً في المظهر فللإرادة والتصميم دورهما وللحق حق الدفاع عن النفس حق رد العدوان دوره أيضاً.