الإقليمي والدولي ليظهِروا أن الذي يحدث يندرج تحت مفهوم ما أسموه (الثورة) في الداخل، وليس المؤامرة من الخارج. وحين بدأ تهجير المواطنين من الجنوب إلى الأردن، ومن الشمال إلى تركيا، ومن الشرق إلى الركبان والبادية وفتحت الأسلاك الشائكة على حدود الجولان السوري المحتل لكي يتسرّب القادمون من قبل العدو الصهيوني إلى الأرض السورية أصبحت تبرز أدوار المرجعيات الخارجية، وتضمر أدوار التيارات الداخلية حتى انكشفت أمام المواطن السوري أسرار (الصّيدة) التي تحدث عنها حمد وأفلتت من أيدي الجميع حين تهاوشوا عليها ولم يحظَ بها أحد.
ومنذ العام الأول على الحرب الإرهابية علينا تبدّلت مجموعة من معادلات التموضع والمرجعية فمرّة يصرّ أردوغان على أنه متزعم قافلة الإرهاب الإخواني ولن يقبل بغيره شريكاً معه، ومرّة آل سعود يجاهرون بقيادة دفة الإرهاب علينا بعباءة التكفير الوهابي، ومرّة حمد ومشيخات الخليج الدائرة في فلك المشتغلين عند الغرب المتصهين، وفي نهاية المطاف ذاب الثلج وبان المرج ليكون الوكلاء الإقليميون أدوات مسخّرةً تذهب جهودها هباءً على صخرة صمود السوريين الأسطوري كما وصفه السيد الرئيس بشار الأسد، وليغدو جيش الدولة الشرعية رمزاً للتضحية التاريخية لحماية الوطن وصيانة سيادته واستقلاله، وليبرز الشعب العربي السوري بأصالته التي لم تسمح عبر تاريخ من الوطنية المخلصة بأن تُدار شؤون بلده من الخارج، أو أن يتنازل عن سيادته على أرضه ولو زُرعت الأرض بالجماجم. وعليه فقد تقاطبت على هذه الأرض معادلتان: معادلة الداخل المانع لكل مخطط خارجي إقليمي أو دولي، ومعادلة الخارج الساعي إلى الاختراق والتدخل في الشؤون الداخلية بفاشية دولية لم يعرفها المجتمع الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م، وكل هذا قد تواصل حدوثه والسوريون يقاتلون الإرهاب على جهات سورية الأربع، وفي كافة الجغرافية الوطنية لبلد الصمود والتحدي خاصة حين بلغ عدد الإرهابيين الذين أدخلوهم إلى سورية مئات الآلاف وفق ما تحدثت مجلة دير شبيغل الألمانية، ولا شك أن التاريخ القادم سوف يسجّل لسورية والسوريين مآثر في الدفاع عن الوطن تكون نبراساً لأمم الأرض الحاضرة والقادمة.
ومن أغرب الحالات التي كان يواجهها السوريون هي حالة الترويج والتسويق لمزاعم أنهم يعانون من الظلم، وأن الغرباء أتوا لكي يحرروهم من ربقته، ليرى السوريون بعد ذلك كيف شرعت تقطع رؤوسهم بدون ذنب سوى لأنهم وطنيون، والظلم الذي تحدث عنه الغرباء وزيّفوه بغطاء الأسلمة لم يكن موجوداً قبل دخول الأغيار، فالعلم، والصحة، والعمل، والحضارة، والإنسانية، والاندماج، والتجانس الوطني الذي كانوا يعيشونه في ظل دولتهم الشرعية ذهب مرّة واحدة على أيدي الظلاميين الظالمين، والتكفيريين التابعين، وما كان يُبديه المواطنون وهم تحت نير استبداد أولئك الظلاميين كان حنيناً حاراً وعميقاً لوطن الكرامة الذي كانوا فيه، وعنادهم في رفض الدجالين تمظهر في مواقف كثيرة على مساحة القرى والمدن السورية، وقد اسمتعنا بالأمس لاعترافات إرهابي عن مواطني محافظة إدلب أنهم جميعاً يترقّبون قدوم الجيش، وعودة الدولة الشرعية بفارغ الصبر.
أما سؤال السوريين المشروع لماذا دخلتم بلادنا أيها المحتلون الأميركيون، والأطلسيون ومعكم أردوغان بمخالفة صريحة للقانون الدولي ولمواثيق الأمم المتحدة، وحرمتمونا من حق تقرير المصير الذي كنتم أنتم تشرّعونه واليوم انقلبتم عليه؟ نعم هذا السؤال أصبح ممنوعاً في شرعة الفاشيين الجدد، والعسكرة المتغطرسة عند حكّام الغرب المتصهين، وما يغيظ هؤلاء دوماً هو وطنية السوريين، وقوة شكيمتهم في الدفاع عن أرضهم، ووجودهم الحرّ عليها؛ وكل ما قُدّم لهم من إغراءات بمشاريع تقسّم الوطن في النهاية رفضوه وما زالوا متمسكين بالوحدة الجيوتاريخية لشعب عظيم وعريق الجذور في الحضارة والتاريخ، فالرسم الاستراتيجي لأطراف العدوان الإرهابي علينا قوبل دوماً برسم استراتيجي وطني مع الدولة الشرعية وجيش الشعب البطل.
ووفقاً لمقتضاه تتآزر قوى العدوان الدولي الإرهابي لكي تمنع جيشنا وحلفاءه من تحرير إدلب، وتتداخل أشكال التدخّل في شؤون بلدنا الداخلية بما تظهر معه حقيقة أن المسير نحو الحل السياسي، أو العسكري إذا كان بإنهاء الإرهاب فلن تقبله أميركا ومن تشغّله كأردوغان خصوصاً، ومن هنا يصرّح هذا الأخير على أنه سيحول (الهدنة) الراهنة في إدلب إلى هدنة دائمة وكأن الإرهابيين لم يخرجوا منها؛ أو كأنه هو بمفرده من يقرر مصير المكان والناس في إدلب، ثم نجد الأميركيين على المقلب الآخر يدعون عدم نيتهم مساعدته برياً بل يفكرون بمساعدته في الجو فقط، نعم كل ذلك يظهر معه أن الفاشيين الجدد لا يريدون تقدّم جيشنا، ولا يريدون إنهاء إرهابهم على أرضنا ويرفعون السقوف حتى يبدو أن تحرير إدلب أصبح مرتبطاً بمعادلات تشكيل النظام الإقليمي الجديد، أو النظام الدولي المتبلور بصورة نهائية، وعليه تصبح جغرافية التشكيل الجديد لعالم غير هذا العالم، ووضع إقليمي غير هذا الوضع على أرض سورية، ومهما بدت عليه نوازع الغطرسة والفاشية، فالشعب الذي أضحت مظاهر استيائه من المحتلين المعتدين مساندي الإرهاب تتراكم يوماً بعد يوم سيأتي اليوم الذي تتحول فيه هذه المظاهر إلى مقاومة شعبية وطنية إلى جانب الجيش بما لا يمكن معه أن تتوافر وقائع الوجود الآمن للمحتلين، ولا مظاهر الغطرسة على السوريين، ومن إدلب تنطلق معادلة الرسم الاستراتيجي للشرعية الوطنية في بلدنا عبر الدولة الصامدة، والشعب الأسطوري، والجيش البطل.